وَأَفَاضَ مِنْ طَرِيقِ الْمَأْزِمَيْنِ، وَدَخَلَ عَرَفَةَ مِنْ طَرِيقِ ضَبٍّ، وَهَكَذَا كَانَتْ عَادَتُهُ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ -فِي الْأَعْيَادِ، أَنْ يُخَالِفَ الطَّرِيقَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ حِكْمَةُ ذَلِكَ عِنْدَ الْكَلَامِ عَلَى هَدْيِهِ فِي الْعِيدِ.
ثُمَّ جَعَلَ يَسِيرُ الْعَنَقَ، وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ السَّيْرِ لَيْسَ بِالسَّرِيعِ وَلَا الْبَطِيءِ. فَإِذَا وَجَدَ فَجْوَةً وَهُوَ الْمُتَّسَعُ، نَصَّ سَيْرَهُ، أَيْ: رَفَعَهُ فَوْقَ ذَلِكَ، وَكُلَّمَا أَتَى رَبْوَةً مِنْ تِلْكَ الرُّبَى، أَرْخَى لِلنَّاقَةِ زِمَامَهَا قَلِيلًا حَتَّى تَصْعَدَ.
وَكَانَ يُلَبِّي فِي مَسِيرِهِ ذَلِكَ، لَمْ يَقْطَعِ التَّلْبِيَةَ. فَلَمَّا كَانَ فِي أَثْنَاءِ الطَّرِيقِ نَزَلَ - صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ - فَبَالَ، وَتَوَضَّأَ، وُضُوءًا خَفِيفًا، فَقَالَ لَهُ أسامة: الصَّلَاةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: " «الصَّلَاةَ - أَوِ الْمُصَلَّى - أَمَامَكَ» ".
ثُمَّ سَارَ حَتَّى أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ، فَتَوَضَّأَ وُضُوءَ الصَّلَاةِ، ثُمَّ أَمَرَ بِالْأَذَانِ، فَأَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، ثُمَّ أَقَامَ فَصَلَّى الْمَغْرِبَ قَبْلَ حَطِّ الرِّحَالِ وَتَبْرِيكِ الْجِمَالِ، فَلَمَّا حَطُّوا رِحَالَهُمْ أَمَرَ فَأُقِيمَتِ الصَّلَاةُ، ثُمَّ صَلَّى عِشَاءَ الْآخِرَةِ بِإِقَامَةٍ بِلَا أَذَانٍ، وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا شَيْئًا، وَقَدْ رُوِيَ: أَنَّهُ صَلَّاهُمَا بِأَذَانَيْنِ وَإِقَامَتَيْنِ، وَرُوِيَ بِإِقَامَتَيْنِ بِلَا أَذَانٍ، وَالصَّحِيحُ: أَنَّهُ صَلَّاهُمَا بِأَذَانٍ وَإِقَامَتَيْنِ، كَمَا فَعَلَ بِعَرَفَةَ.
ثُمَّ نَامَ حَتَّى أَصْبَحَ، وَلَمْ يُحْيِ تِلْكَ اللَّيْلَةَ، وَلَا صَحَّ عَنْهُ فِي إِحْيَاءِ لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ شَيْءٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute