للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ حَكَمَ بَعْدَ اللِّعَانِ، وَنَفَى الْوَلَدَ بِأَنَّهُ إِنْ جَاءَ يُشْبِهُ الزَّوْجَ صَاحِبَ الْفِرَاشِ فَهُوَ لَهُ، وَإِنْ جَاءَ يُشْبِهُ الَّذِي رُمِيَتْ بِهِ فَهُوَ لَهُ، فَمَا قَوْلُكُمْ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ إِذَا لَاعَنَ امْرَأَتَهُ وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا، ثُمَّ جَاءَ الْوَلَدُ يُشْبِهُهُ، هَلْ تُلْحِقُونَهُ بِهِ بِالشَّبَهِ عَمَلًا بِالْقَافَةِ، أَوْ تَحْكُمُونَ بِانْقِطَاعِ نَسَبِهِ مِنْهُ عَمَلًا بِمُوجَبِ لِعَانِهِ؟ قِيلَ: هَذَا مَجَالٌ ضَنْكٌ وَمَوْضِعٌ ضَيِّقٌ تَجَاذَبَ أَعِنَّتَهُ اللِّعَانُ الْمُقْتَضِي لِانْقِطَاعِ النَّسَبِ وَانْتِفَاءِ الْوَلَدِ، وَأَنَّهُ يُدْعَى لِأُمِّهِ، وَلَا يُدْعَى لِأَبٍ، وَالشَّبَهُ الدَّالُّ عَلَى ثُبُوتِ نَسَبِهِ مِنَ الزَّوْجِ، وَأَنَّهُ ابْنُهُ مَعَ شَهَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّهَا إِنْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى شَبَهِهِ فَالْوَلَدُ لَهُ، وَأَنَّهُ كَذَبَ عَلَيْهَا، فَهَذَا مَضِيقٌ لَا يَتَخَلَّصُ مِنْهُ إِلَّا الْمُسْتَبْصِرُ الْبَصِيرُ بِأَدِلَّةِ الشَّرْعِ وَأَسْرَارِهِ، وَالْخَبِيرُ بِجَمْعِهِ وَفَرْقِهِ الَّذِي سَافَرَتْ بِهِ هِمَّتُهُ إِلَى مَطْلَعِ الْأَحْكَامِ وَالْمِشْكَاةِ الَّتِي مِنْهَا ظَهَرَ الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ.

وَالَّذِي يَظْهَرُ فِي هَذَا، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ وَعَلَيْهِ التُّكْلَانُ، أَنَّ حُكْمَ اللِّعَانِ قَطَعَ حُكْمَ الشَّبَهِ، وَصَارَ مَعَهُ بِمَنْزِلَةِ أَقْوَى الدَّلِيلَيْنِ مَعَ أَضْعَفِهِمَا، فَلَا عِبْرَةَ لِلشَّبَهِ بَعْدَ مُضِيِّ حُكْمِ اللِّعَانِ فِي تَغْيِيرِ أَحْكَامِهِ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُخْبِرْ عَنْ شَأْنِ الْوَلَدِ وَشَبَهِهِ لِيُغَيِّرَ بِذَلِكَ حُكْمَ اللِّعَانِ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ عَنْهُ لِيَتَبَيَّنَ الصَّادِقُ مِنْهُمَا مِنَ الْكَاذِبِ، الَّذِي قَدِ اسْتَوْجَبَ اللَّعْنَةَ وَالْغَضَبَ، فَهُوَ إِخْبَارٌ عَنْ أَمْرٍ قَدَرِيٍّ كَوْنِيٍّ يَتَبَيَّنُ بِهِ الصَّادِقُ مِنَ الْكَاذِبِ بَعْدَ تَقَرُّرِ الْحُكْمِ الدِّينِيِّ، وَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ سَيَجْعَلُ فِي الْوَلَدِ دَلِيلًا عَلَى ذَلِكَ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ انْتِفَائِهِ مِنَ الْوَلَدِ وَقَالَ: (إِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَلَا أَرَاهُ إِلَّا صَدَقَ عَلَيْهَا، وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَلَا أَرَاهُ إِلَّا كَذَبَ عَلَيْهَا) فَجَاءَتْ بِهِ عَلَى النَّعْتِ الْمَكْرُوهِ، فَعُلِمَ أَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهَا وَلَمْ يَعْرِضْ لَهَا، وَلَمْ يُفْسَخْ حُكْمُ اللِّعَانِ، فَيُحْكَمُ عَلَيْهَا بِحُكْمِ الزَّانِيَةِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُ صَدَقَ عَلَيْهَا، فَكَذَلِكَ لَوْ جَاءَتْ بِهِ عَلَى شَبَهِ الزَّوْجِ يُعْلَمُ أَنَّهُ كَذَبَ عَلَيْهَا، وَلَا يُغَيِّرُ ذَلِكَ حُكْمَ اللِّعَانِ فَيُحَدَّ الزَّوْجُ وَيُلْحَقَ بِهِ الْوَلَدُ، فَلَيْسَ قَوْلُهُ: إِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لهلال بن أمية إِلْحَاقًا لَهُ بِهِ فِي الْحُكْمِ، كَيْفَ وَقَدْ نَفَاهُ بِاللِّعَانِ، وَانْقَطَعَ نَسَبُهُ بِهِ، كَمَا أَنَّ قَوْلَهُ: وَإِنْ جَاءَتْ بِهِ كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لِلَّذِي رُمِيَتْ بِهِ. لَيْسَ إِلْحَاقًا بِهِ وَجَعْلَهُ ابْنَهُ، وَإِنَّمَا هُوَ إِخْبَارٌ عَنِ

<<  <  ج: ص:  >  >>