الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ لِأُمِّهِ. قَالَ عبد العزيز بن بزيزة فِي شَرْحِهِ لِأَحْكَامِ عبد الحق: قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي شريك ابن سحماء الْمَقْذُوفِ، فَقِيلَ: إِنَّهُ كَانَ يَهُودِيًّا. وَهُوَ بَاطِلٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ شريك بن عبدة حَلِيفُ الْأَنْصَارِ، وَهُوَ أَخُو الْبَرَاءِ بْنِ مَالِكٍ لِأُمِّهِ.
وَأَمَّا الْجَوَابُ الثَّانِي: فَهُوَ يَنْقَلِبُ حُجَّةً عَلَيْكُمْ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا اسْتَقَرَّ عِنْدَهُ أَنَّهُ لَا حَقَّ لَهُ فِي هَذَا الْقَذْفِ لَمْ يُطَالِبْ بِهِ وَلَمْ يَتَعَرَّضْ لَهُ، وَإِلَّا كَيْفَ يَسْكُتُ عَنْ بَرَاءَةِ عِرْضِهِ، وَلَهُ طَرِيقٌ إِلَى إِظْهَارِهَا بِحَدِّ قَاذِفِهِ، وَالْقَوْمُ كَانُوا أَشَدَّ حَمِيَّةً وَأَنَفَةً مِنْ ذَلِكَ؟
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ اللِّعَانَ أُقِيمَ مَقَامَ الْبَيِّنَةِ لِلْحَاجَةِ، وَجُعِلَ بَدَلًا مِنَ الشُّهُودِ الْأَرْبَعَةِ، وَلِهَذَا كَانَ الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُوجِبُ الْحَدَّ عَلَيْهَا إِذَا نَكَلَتْ، فَإِذَا كَانَ بِمَنْزِلَةِ الشَّهَادَةِ فِي أَحَدِ الطَّرَفَيْنِ كَانَ بِمَنْزِلَتِهَا فِي الطَّرَفِ الْآخَرِ، وَمِنَ الْمُحَالِ أَنْ تُحَدَّ الْمَرْأَةُ بِاللِّعَانِ إِذَا نَكَلَتْ، ثُمَّ يُحَدُّ الْقَاذِفُ حَدَّ الْقَذْفِ، وَقَدْ أَقَامَ الْبَيِّنَةَ عَلَى صِدْقِ قَوْلِهِ، وَكَذَلِكَ إِنْ جَعَلْنَاهُ يَمِينًا فَإِنَّهَا كَمَا دَرَأَتْ عَنْهُ الْحَدَّ مِنْ طَرَفِ الزَّوْجَةِ دَرَأَتْ عَنْهُ مِنْ طَرَفِ الْمَقْذُوفِ، وَلَا فَرْقَ؛ لِأَنَّهُ بِهِ حَاجَةٌ إِلَى قَذْفِ الزَّانِي لِمَا أَفْسَدَ عَلَيْهِ مِنْ فِرَاشِهِ، وَرُبَّمَا يَحْتَاجُ إِلَى ذَكَرَهُ لِيَسْتَدِلَّ بِشَبَهِ الْوَلَدِ لَهُ عَلَى صِدْقِ قَاذِفِهِ، كَمَا اسْتَدَلَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى صِدْقِ هلال بِشَبَهِ الْوَلَدِ بشريك ابن سحماء، فَوَجَبَ أَنْ يُسْقِطَ حُكْمَ قَذْفِهِ مَا أَسْقَطَ حُكْمَ قَذْفِهَا، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلزَّوْجِ: ( «الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» ) وَلَمْ يَقُلْ: وَإِلَّا حَدَّانِ، هَذَا، وَالْمَرْأَةُ لَمْ تُطَالِبْ بِحَدِّ الْقَذْفِ، فَإِنَّ الْمُطَالَبَةَ شَرْطٌ فِي إِقَامَةِ الْحَدِّ لَا فِي وُجُوبِهِ، وَهَذَا جَوَابٌ آخَرُ عَنْ قَوْلِهِمْ: إِنَّ شريكا لَمْ يُطَالِبْ بِالْحَدِّ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ أَيْضًا لَمْ تُطَالِبْ بِهِ، وَقَدْ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «الْبَيِّنَةُ وَإِلَّا حَدٌّ فِي ظَهْرِكَ» ) .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute