{مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا} [الأحزاب: ٤٩] [الْأَحْزَابِ ٤٩] فَقَوْلُهُ: فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْعِدَّةَ لِلرَّجُلِ عَلَى الْمَرْأَةِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ} [البقرة: ٢٢٨] [الْبَقَرَةِ ٢٢٨]
فَجُعِلَ الزَّوْجُ أَحَقَّ بِرَدِّهَا فِي الْعِدَّةِ، وَهَذَا حَقٌّ لَهُ. فَإِذَا كَانَتِ الْعِدَّةُ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ، أَوْ ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ طَالَتْ مُدَّةُ التَّرَبُّصِ لِيَنْظُرَ فِي أَمْرِهِ هَلْ يُمْسِكُهَا، أَوْ يُسَرِّحُهَا، كَمَا جَعَلَ سُبْحَانَهُ لِلْمُؤْلِي تَرَبُّصَ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِيَنْظُرَ فِي أَمْرِهِ هَلْ يُمْسِكُ وَيَفِيءُ، أَوْ يُطَلِّقُ، وَكَانَ تَخْيِيرُ الْمُطَلِّقِ كَتَخْيِيرِ الْمُؤْلِي، لَكِنَّ الْمُؤْلِيَ جَعَلَ لَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ كَمَا جَعَلَ مُدَّةَ التَّسْيِيرِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ لِيَنْظُرُوا فِي أَمْرِهِمْ.
وَمِمَّا يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ قَالَ {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: ٢٣٢] [الْبَقَرَةِ ٢٣١] وَبُلُوغُ الْأَجَلِ هُوَ الْوُصُولُ وَالِانْتِهَاءُ إِلَيْهِ، وَبُلُوغُ الْأَجَلِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُجَاوَزَتُهُ، وَفِي قَوْلِهِ {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق: ٢] مُقَارَبَتُهُ وَمُشَارَفَتُهُ، ثُمَّ فِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ حَدٌّ مِنَ الزَّمَانِ، وَهُوَ الطَّعْنُ فِي الْحَيْضَةِ الثَّالِثَةِ، أَوِ انْقِطَاعُ الدَّمِ مِنْهَا، أَوْ مِنَ الرَّابِعَةِ، وَعَلَى هَذَا فَلَا يَكُونُ مَقْدُورًا لَهَا، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ فِعْلُهَا، وَهُوَ الِاغْتِسَالُ كَمَا قَالَهُ جُمْهُورُ الصَّحَابَةِ، وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ بِالِاغْتِسَالِ يَحِلُّ لِلزَّوْجِ وَطْؤُهَا وَيَحِلُّ لَهَا أَنْ تُمَكِّنَهُ مِنْ نَفْسِهَا، فَالِاغْتِسَالُ عِنْدَهُمْ شَرْطٌ فِي النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ الْعَقْدُ، وَفِي النِّكَاحِ الَّذِي هُوَ الْوَطْءُ.
وَلِلنَّاسِ فِي ذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَيْسَ شَرْطًا لَا فِي هَذَا، وَلَا فِي هَذَا كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِمَا كَمَا قَالَهُ أحمد وَجُمْهُورُ الصَّحَابَةِ كَمَا تَقَدَّمَ حِكَايَتُهُ عَنْهُمْ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ شَرْطٌ فِي نِكَاحِ الْوَطْءِ لَا فِي نِكَاحِ الْعَقْدِ كَمَا قَالَهُ مالك، وَالشَّافِعِيُّ.
وَالرَّابِعُ: أَنَّهُ شَرْطٌ فِيهِمَا، أَوْ مَا يَقُومُ مَقَامَهُ، وَهُوَ الْحُكْمُ بِالطُّهْرِ بِمُضِيِّ وَقْتِ صَلَاةٍ وَانْقِطَاعِهِ لِأَكْثَرِهِ كَمَا يَقُولُهُ أبو حنيفة، فَإِذَا ارْتَجَعَهَا قَبْلَ غُسْلِهَا كَانَ غُسْلُهَا لِأَجْلِ وَطْئِهِ لَهَا، وَإِلَّا كَانَ لِأَجْلِ حِلِّهَا لِغَيْرِهِ وَبِالِاغْتِسَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute