قَالَ الأثرم: فَقُلْتُ لِأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ: فَمَا كَانَ سِوَى هَذِهِ الْمَوَاضِعِ؟ قَالَ يَسْجُدُ فِيهَا كُلِّهَا قَبْلَ السَّلَامِ لِأَنَّهُ يُتِمُّ مَا نَقَصَ مِنْ صَلَاتِهِ، قَالَ: وَلَوْلَا مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَرَأَيْتُ السُّجُودَ كُلَّهُ قَبْلَ السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ شَأْنِ الصَّلَاةِ، فَيَقْضِيهِ قَبْلَ السَّلَامِ وَلَكِنْ أَقُولُ: كُلُّ مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ سَجَدَ فِيهِ بَعْدَ السَّلَامِ، فَإِنَّهُ يَسْجُدُ فِيهِ بَعْدَ السَّلَامِ، وَسَائِرُ السَّهْوِ يَسْجُدُ فِيهِ قَبْلَ السَّلَامِ.
وَقَالَ داود بن علي: لَا يَسْجُدُ أَحَدٌ لِلسَّهْوِ إِلَّا فِي الْخَمْسَةِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي سَجَدَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انْتَهَى.
وَأَمَّا الشَّكُّ فَلَمْ يَعْرِضْ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَلْ أَمَرَ فِيهِ بِالْبِنَاءِ عَلَى الْيَقِينِ، وَإِسْقَاطِ الشَّكِّ، وَالسُّجُودِ قَبْلَ السَّلَامِ. فَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: الشَّكُّ عَلَى وَجْهَيْنِ: الْيَقِينُ، وَالتَّحَرِّي فَمَنْ رَجَعَ إِلَى الْيَقِينِ أَلْغَى الشَّكَّ، وَسَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ قَبْلَ السَّلَامِ عَلَى حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، وَإِذَا رَجَعَ إِلَى التَّحَرِّي وَهُوَ أَكْثَرُ الْوَهْمِ، سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ الَّذِي يَرْوِيهِ منصور. انْتَهَى.
وَأَمَّا حَدِيثُ أبي سعيد، فَهُوَ ( «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى أَثَلَاثَا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحِ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ» ) .
وَأَمَّا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ فَهُوَ ( «إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ، فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، ثُمَّ لِيَسْجُدْ سَجْدَتَيْنِ» ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا. وَفِي لَفْظِ "الصَّحِيحَيْنِ": ( «تُمَّ يُسَلِّمُ ثُمَّ يَسْجُدَ سَجْدَتَيْنِ» ) وَهَذَا هُوَ الَّذِي قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَإِذَا رَجَعَ إِلَى التَّحَرِّي، سَجَدَ بَعْدَ السَّلَامِ.
وَالْفَرْقُ عِنْدَهُ بَيْنَ التَّحَرِّي وَالْيَقِينِ، أَنَّ الْمُصَلِّيَ إِذَا كَانَ إِمَامًا بَنَى عَلَى غَالِبِ ظَنِّهِ وَأَكْثَرِ وَهْمِهِ، وَهَذَا هُوَ التَّحَرِّي، فَيَسْجُدُ لَهُ بَعْدَ السَّلَامِ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَإِنْ كَانَ مُنْفَرِدًا بَنَى عَلَى الْيَقِينِ، وَسَجَدَ قَبْلَ السَّلَامِ عَلَى حَدِيثِ أبي سعيد، وَهَذِهِ طَرِيقَةُ أَكْثَرِ أَصْحَابِهِ فِي تَحْصِيلِ ظَاهِرِ مَذْهَبِهِ.
وَعَنْهُ رِوَايَتَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute