ميمونة، وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَإِنَّمَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَكَّةَ، وَكَانَ الْحِلُّ وَالنِّكَاحُ جَمِيعًا، فَشُبِّهَ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّهُ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ وَكَّلَ فِي الْعَقْدِ عَلَيْهَا قَبْلَ إِحْرَامِهِ، وَأَظُنُّ الشَّافِعِيَّ ذَكَرَ ذَلِكَ قَوْلًا، فَالْأَقْوَالُ ثَلَاثَةٌ.
أَحَدُهَا: أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ حِلِّهِ منَ الْعُمْرَةِ، وَهُوَ قَوْلُ ميمونة نَفْسِهَا، وَقَوْلُ السَّفِيرِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ أبو رافع، وَقَوْلُ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَجُمْهُورِ أَهْلِ النَّقْلِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَهْلِ الْكُوفَةِ وَجَمَاعَةٍ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ.
وَقَدْ حُمِلَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ "تَزَوَّجَهَا وَهُوَ مُحْرِمٌ " عَلَى أَنَّهُ تَزَوَّجَهَا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، لَا فِي حَالِ الْإِحْرَامِ، قَالُوا: وَيُقَالُ: أَحْرَمَ الرَّجُلُ: إِذَا عَقَدَ الْإِحْرَامَ، وَأَحْرَمَ: إِذَا دَخَلَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَإِنْ كَانَ حَلَالًا بِدَلِيلِ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
قَتَلُوا ابن عفان الْخَلِيفَةَ مُحْرِمًا ... وَرِعًا فَلَمْ أَرَ مِثْلَهُ مَقْتُولَا
وَإِنَّمَا قَتَلُوهُ فِي الْمَدِينَةِ حَلَالًا فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ.
وَقَدْ رَوَى مسلم فِي "صَحِيحِهِ" مِنْ حَدِيثِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «لَا يَنْكِحُ الْمُحْرِمُ وَلَا يُنْكَحُ وَلَا يَخْطُبُ» ".
وَلَوْ قُدِّرَ تَعَارُضُ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ هَاهُنَا، لَوَجَبَ تَقْدِيمُ الْقَوْلِ؛ لِأَنَّ الْفِعْلَ مُوَافِقٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute