مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ قَالُوا: يُجْزِئُ أَنْ يُغَدِّيَهُمْ وَيُعَشِّيَهُمْ.
الثَّانِي: أَنَّ مَنْ رُوِيَ عَنْهُمُ الْمُدُّ وَالْمُدَّانِ لَمْ يَذْكُرُوا ذَلِكَ تَقْدِيرًا وَتَحْدِيدًا، بَلْ تَمْثِيلًا، فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ رُوِيَ عَنْهُ الْمُدُّ، وَرُوِيَ عَنْهُ مُدَّانِ، وَرُوِيَ عَنْهُ مَكُّوكٌ، وَرُوِيَ عَنْهُ جَوَازُ التَّغْدِيَةِ وَالتَّعْشِيَةِ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَكْلَةٌ، وَرُوِيَ عَنْهُ رَغِيفٌ أَوْ رَغِيفَانِ، فَإِنْ كَانَ هَذَا اخْتِلَافًا فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، وَإِنْ كَانَ بِحَسَبِ حَالِ الْمُسْتَفْتِي وَبِحَسَبِ حَالِ الْحَالِفِ وَالْمُكَفِّرِ فَظَاهِرٌ، وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّمْثِيلِ فَكَذَلِكَ. فَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ.
قَالُوا: وَأَمَّا الْإِطْعَامُ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى فَلَيْسَ مِنْ هَذَا الْبَابِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَالَ: {فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ} [البقرة: ١٩٦] [الْبَقَرَةِ: ١٩٦] ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَطْلَقَ هَذِهِ الثَّلَاثَةَ وَلَمْ يُقَيِّدْهَا. وَصَحَّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقْيِيدُ الصِّيَامِ بِثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَتَقْيِيدُ النُّسُكِ بِذَبْحِ شَاةٍ، وَتَقْيِيدُ الْإِطْعَامِ بِسِتَّةِ مَسَاكِينَ لِكُلِّ مِسْكِينٍ نِصْفُ صَاعٍ، وَلَمْ يَقُلْ سُبْحَانَهُ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى: فَإِطْعَامُ سِتَّةِ مَسَاكِينَ، وَلَكِنْ أَوْجَبَ صَدَقَةً مُطْلَقَةً وَصَوْمًا مُطْلَقًا وَدَمًا مُطْلَقًا فَعَيَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْفَرَقِ، وَالثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ، وَالشَّاةِ.
وَأَمَّا جَزَاءُ الصَّيْدِ فَإِنَّهُ مِنْ غَيْرِ هَذَا الْبَابِ، فَإِنَّ الْمُخْرِجَ إِنَّمَا يُخْرِجُ قِيمَةَ الصَّيْدِ مِنَ الطَّعَامِ، وَهِيَ تَخْتَلِفُ بِالْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ، فَإِنَّهَا بَدَلُ مُتْلَفٍ لَا يُنْظَرُ فِيهَا إِلَى عَدَدِ الْمَسَاكِينِ، وَإِنَّمَا يُنْظَرُ فِيهَا إِلَى مَبْلَغِ الطَّعَامِ، فَيُطْعِمُهُ الْمَسَاكِينَ عَلَى مَا يَرَى مِنْ إِطْعَامِهِمْ وَتَفْضِيلِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ، فَتَقْدِيرُ الطَّعَامِ فِيهَا عَلَى حَسَبِ الْمُتْلَفِ، وَهُوَ يَقِلُّ وَيَكْثُرُ، وَلَيْسَ مَا يُعْطَاهُ كُلُّ مِسْكِينٍ مُقَدَّرًا.
ثُمَّ إِنَّ التَّقْدِيرَ بِالْحَبِّ يَسْتَلْزِمُ أَمْرًا بَاطِلًا بَيِّنَ الْبُطْلَانِ، فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ الْوَاجِبُ لَهَا عَلَيْهِ شَرْعًا الْحَبَّ، وَأَكْثَرُ النَّاسِ إِنَّمَا يُطْعِمُ أَهْلَهُ الْخُبْزَ، فَإِنْ جَعَلْتُمْ هَذَا مُعَاوَضَةً كَانَ رِبًا ظَاهِرًا، وَإِنْ لَمْ تَجْعَلُوهُ مُعَاوَضَةً فَالْحَبُّ ثَابِتٌ لَهَا فِي ذِمَّتِهِ وَلَمْ تَعْتَضْ عَنْهُ فَلَمْ تَبْرَأْ ذِمَّتُهُ مِنْهُ إِلَّا بِإِسْقَاطِهَا وَإِبْرَائِهَا، فَإِذَا لَمْ تُبْرِئْهُ طَالَبَتْهُ بِالْحَبِّ مُدَّةً طَوِيلَةً مَعَ إِنْفَاقِهِ عَلَيْهَا كُلَّ يَوْمٍ حَاجَتَهَا مِنَ الْخُبْزِ وَالْأُدْمِ، وَإِنْ مَاتَ أَحَدُهُمَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute