للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِيضَاحًا وَبَيَانًا بِقَوْلِهِ: {مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ} [المائدة: ٨٩] [الْمَائِدَةِ: ٨٩] ، وَمَعْلُومٌ يَقِينًا أَنَّ الرَّجُلَ إِنَّمَا يُطْعِمُ أَهْلَهُ الْخُبْزَ وَاللَّحْمَ وَالْمَرَقَ وَاللَّبَنَ وَنَحْوَ ذَلِكَ، فَإِذَا أَطْعَمَ الْمَسَاكِينَ مِنْ ذَلِكَ فَقَدْ أَطْعَمَهُمْ مِنْ أَوْسَطِ مَا يُطْعِمُ أَهْلَهُ بِلَا شَكٍّ، وَلِهَذَا اتَّفَقَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ فِي إِطْعَامِ الْأَهْلِ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُقَدَّرٍ كَمَا تَقَدَّمَ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَهُ أَصْلًا لِطَعَامِ الْكَفَّارَةِ، فَدَلَّ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى عَلَى أَنَّ طَعَامَ الْكَفَّارَةِ غَيْرُ مُقَدَّرٍ.

وَأَمَّا مَنْ قَدَّرَ طَعَامَ الْأَهْلِ، فَإِنَّمَا أَخَذَ مِنْ تَقْدِيرِ طَعَامِ الْكَفَّارَةِ، فَيُقَالُ: هَذَا خِلَافُ مُقْتَضَى النَّصِّ، فَإِنَّ اللَّهَ أَطْلَقَ طَعَامَ الْأَهْلِ وَجَعَلَهُ أَصْلًا لِطَعَامِ الْكَفَّارَةِ، فَعُلِمَ أَنَّ طَعَامَ الْكَفَّارَةِ لَا يَتَقَدَّرُ كَمَا لَا يَتَقَدَّرُ أَصْلُهُ، وَلَا يُعْرَفُ عَنْ صَحَابِيٍّ أَلْبَتَّةَ تَقْدِيرُ طَعَامِ الزَّوْجَةِ مَعَ عُمُومِ هَذِهِ الْوَاقِعَةِ فِي كُلِّ وَقْتٍ.

قَالُوا: فَأَمَّا الْفُرُوقُ الَّتِي ذَكَرْتُمُوهَا، فَلَيْسَ فِيهَا مَا يَسْتَلْزِمُ تَقْدِيرَ طَعَامِ الْكَفَّارَةِ، وَحَاصِلُهَا خَمْسَةُ فُرُوقٍ، أَنَّهَا لَا تَخْتَلِفُ بِالْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، وَأَنَّهَا لَا تَتَقَدَّرُ بِالْكِفَايَةِ، وَلَا أَوْجَبَهَا الشَّارِعُ بِالْمَعْرُوفِ، وَلَا يَجُوزُ إِخْرَاجُ الْعِوَضِ عَنْهَا، وَهِيَ حَقٌّ لِلَّهِ لَا تَسْقُطُ بِالْإِسْقَاطِ بِخِلَافِ نَفَقَةِ الزَّوْجَةِ، فَيُقَالُ: نَعَمْ لَا شَكَّ فِي صِحَّةِ هَذِهِ الْفَرُوقِ، وَلَكِنْ مِنْ أَيْنَ يَسْتَلْزِمُ وُجُوبُ تَقْدِيرِهَا بِمُدٍّ وَمُدَّيْنِ؟ بَلْ هِيَ إِطْعَامٌ وَاجِبٌ مِنْ جِنْسِ مَا يُطْعِمُ أَهْلَهُ، وَمَعَ ثُبُوتِ هَذِهِ الْأَحْكَامِ لَا يَدُلُّ عَلَى تَقْدِيرِهَا بِوَجْهٍ.

وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمْ عَنِ الصَّحَابَةِ مِنْ تَقْدِيرِهَا، فَجَوَابُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ.

أَحَدُهُمَا: أَنَّا قَدْ ذَكَرْنَا عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْهُمْ: علي وأنس وأبو موسى وَابْنُ

<<  <  ج: ص:  >  >>