الثَّالِثُ: أَنَّ الْقُرْءَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ اسْمًا لِمَجْمُوعِ الطُّهْرِ، كَمَا يَكُونُ اسْمًا لِمَجْمُوعِ الْحَيْضَةِ أَوْ لِبَعْضِهِ، أَوْ مُشْتَرَكًا بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا، أَوِ اشْتِرَاكًا مَعْنَوِيًّا، وَالْأَقْسَامُ الثَّلَاثَةُ بَاطِلَةٌ فَتَعَيَّنَ الْأَوَّلُ، أَمَّا بُطْلَانُ وَضْعِهِ لِبَعْضِ الطُّهْرِ، فَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الطُّهْرُ الْوَاحِدُ عِدَّةَ أَقْرَاءٍ، وَيَكُونُ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ " الْقُرْءِ " فِيهِ مَجَازًا.
وَأَمَّا بُطْلَانُ الِاشْتِرَاكِ الْمَعْنَوِيِّ، فَمِنْ وَجْهَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَصْدُقَ عَلَى الطُّهْرِ الْوَاحِدِ أَنَّهُ عِدَّةُ أَقْرَاءٍ حَقِيقَةً.
وَالثَّانِي: أَنَّ نَظِيرَهُ - وَهُوَ الْحَيْضُ - لَا يُسَمَّى جُزْؤُهُ قُرْءًا اتِّفَاقًا، وَوَضْعُ الْقُرْءِ لَهُمَا لُغَةً لَا يَخْتَلِفُ، وَهَذَا لَا خَفَاءَ بِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: نَخْتَارُ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ أَنْ يَكُونَ مُشْتَرَكًا بَيْنَ كُلِّهِ وَجُزْئِهِ اشْتِرَاكًا لَفْظِيًّا، وَيُحْمَلُ الْمُشْتَرَكُ عَلَى مَعْنَيَيْهِ، فَإِنَّهُ أَحْفَظُ، وَبِهِ تَحْصُلُ الْبَرَاءَةُ بِيَقِينٍ. قِيلَ الْجَوَابُ مِنْ وَجْهَيْنِ. أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ اشْتِرَاكُهُ كَمَا تَقَدَّمَ.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ صَحَّ اشْتِرَاكُهُ، لَمْ يَجُزْ حَمْلُهُ عَلَى مَجْمُوعِ مَعْنَيَيْهِ. أَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ لَا يُجَوِّزُ حَمْلَ الْمُشْتَرَكِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ، فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا مَنْ يُجَوِّزُ حَمْلَهُ عَلَيْهِمَا، فَإِنَّمَا يُجَوِّزُونَهُ إِذَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى إِرَادَتِهِمَا مَعًا. فَإِذَا لَمْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ وَقَفُوهُ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى إِرَادَةِ أَحَدِهِمَا، أَوْ إِرَادَتِهِمَا، وَحَكَى الْمُتَأَخِّرُونَ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَالْقَاضِي أبي بكر، أَنَّهُ إِذَا تَجَرَّدَ عَنِ الْقَرَائِنِ، وَجَبَ حَمْلُهُ عَلَى مَعْنَيَيْهِ، كَالِاسْمِ الْعَامِّ؛ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ، إِذْ لَيْسَ أَحَدُهُمَا أَوْلَى بِهِ مِنَ الْآخَرِ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى مَعْنَى ثَالِثٍ، وَتَعْطِيلُهُ غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَيَمْتَنِعُ تَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ.
فَإِذَا جَاءَ وَقْتُ الْعَمَلِ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّ أَحَدَهُمَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِعَيْنِهِ، عُلِمَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ غَيْرُ مُرَادَةٍ، إِذْ لَوْ أُرِيدَتْ لَبُيِّنَتْ، فَتَعَيَّنَ الْمَجَازُ، وَهُوَ مَجْمُوعُ الْمَعْنَيَيْنِ، وَمَنْ يَقُولُ: إِنَّ الْحَمْلَ عَلَيْهِمَا بِالْحَقِيقَةِ يَقُولُ: لَمَّا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّ الْمُرَادَ أَحَدُهُمَا عُلِمَ أَنَّهُ أَرَادَ كِلَيْهِمَا.
قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رَحِمَهُ اللَّهُ: فِي هَذِهِ الْحِكَايَةِ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَالْقَاضِي نَظَرٌ، أَمَّا الْقَاضِي، فَمِنْ أَصْلِهِ الْوَقْفُ فِي صِيَغِ الْعُمُومِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ حَمْلُهَا عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ إِلَّا بِدَلِيلٍ، فَمَنْ يَقِفُ فِي أَلْفَاظِ الْعُمُومِ كَيْفَ يَجْزِمُ فِي الْأَلْفَاظِ الْمُشْتَرَكَةِ بِالِاسْتِغْرَاقِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ؟ وَإِنَّمَا الَّذِي ذَكَرَهُ فِي كُتُبِهِ إِحَالَةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute