للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَلَيْهِ يَدُلُّ الْقُرْآنُ. وَالْأَوَّلُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَهُوَ قَوْلُ بَعْضِ أَصْحَابِ أحمد.

وَالصَّوَابُ مَا جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ، فَإِنَّ سُكْنَى الرَّجْعِيَّةِ مِنْ جِنْسِ سُكْنَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا، وَلَوْ تَرَاضَيَا بِإِسْقَاطِهَا لَمْ يَجُزْ كَمَا أَنَّ الْعِدَّةَ فِيهَا كَذَلِكَ بِخِلَافِ الْبَائِنِ فَإِنَّهَا لَا سُكْنَى لَهَا وَلَا عَلَيْهَا، فَالزَّوْجُ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا وَلَهَا أَنْ تَخْرُجَ كَمَا ( «قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لفاطمة بنت قيس: لَا نَفَقَةَ لَكِ، وَلَا سُكْنَى» )

وَأَمَّا الرَّجْعَةُ فَهَلْ هِيَ حَقٌّ لِلزَّوْجِ يَمْلِكُ إِسْقَاطَهَا بِأَنْ يُطَلِّقَهَا وَاحِدَةً بَائِنَةً أَمْ هِيَ حَقٌّ لِلَّهِ فَلَا يَمْلِكُ إِسْقَاطَهَا؟ وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَائِنَةً وَقَعَتْ رَجْعِيَّةً أَمْ هِيَ حَقٌّ لَهُمَا فَإِنْ تَرَاضَيَا بِالْخُلْعِ بِلَا عِوَضٍ وَقَعَ طَلَاقًا بَائِنًا، وَلَا رَجْعَةَ فِيهِ؟ فِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ.

فَالْأَوَّلُ: مَذْهَبُ أبي حنيفة وَإِحْدَى الرِّوَايَاتِ عَنْ أحمد.

وَالثَّانِي: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ أحمد.

وَالثَّالِثُ مَذْهَبُ مالك وَالرِّوَايَةُ الثَّالِثَةُ عَنْ أحمد.

وَالصَّوَابُ أَنَّ الرَّجْعَةَ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى لَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى إِسْقَاطِهَا، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا طَلْقَةً بَائِنَةً وَلَوْ رَضِيَتِ الزَّوْجَةُ، كَمَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا أَنْ يَتَرَاضَيَا بِفَسْخِ النِّكَاحِ بِلَا عِوَضٍ بِالِاتِّفَاقِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يَجُوزُ الْخُلْعُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ مالك وأحمد، وَهَلْ هَذَا إِلَّا اتِّفَاقٌ مِنَ الزِّوْجَيْنِ عَلَى فَسْخِ النِّكَاحِ بِغَيْرِ عِوَضٍ؟ قِيلَ: إِنَّمَا يُجَوِّزُ أحمد فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ الْخُلْعَ بِلَا عِوَضٍ إِذَا كَانَ طَلَاقًا، فَأَمَّا إِذَا كَانَ فَسْخًا فَلَا يَجُوزُ بِالِاتِّفَاقِ، قَالَهُ شَيْخُنَا رَحِمَهُ اللَّهُ. قَالَ: وَلَوْ جَازَ هَذَا لَجَازَ أَنْ يَتَّفِقَا عَلَى أَنْ يَبِينَهَا مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ عَدَدُ الطَّلَاقِ، وَيَكُونُ الْأَمْرُ إِلَيْهِمَا إِذَا أَرَادَا أَنْ يَجْعَلَا الْفُرْقَةَ بَيْنَ الثَّلَاثِ جَعَلَاهَا وَإِنْ أَرَادَا لَمْ يَجْعَلَاهَا مِنَ الثَّلَاثِ، وَيَلْزَمُ مِنْ هَذَا إِذَا قَالَتْ فَادِنِي بِلَا طَلَاقٍ أَنْ يَبِينَهَا بِلَا طَلَاقٍ، وَيَكُونُ

<<  <  ج: ص:  >  >>