للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَمِنْهَا: قَوْلُهُ ( «فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْفِكَ بِهَا دَمًا» ) هَذَا التَّحْرِيمُ لِسَفْكِ الدَّمِ الْمُخْتَصُّ بِهَا، وَهُوَ الَّذِي يُبَاحُ فِي غَيْرِهَا، وَيَحْرُمُ فِيهَا لِكَوْنِهَا حَرَمًا، كَمَا أَنَّ تَحْرِيمَ عَضْدِ الشَّجَرِ بِهَا، وَاخْتِلَاءِ خَلَائِهَا، وَالْتِقَاطِ لُقَطَتِهَا، هُوَ أَمْرٌ مُخْتَصٌّ بِهَا، وَهُوَ مُبَاحٌ فِي غَيْرِهَا، إِذِ الْجَمِيعُ فِي كَلَامٍ وَاحِدٍ، وَنِظَامٍ وَاحِدٍ، وَإِلَّا بَطَلَتْ فَائِدَةُ التَّخْصِيصِ، وَهَذَا أَنْوَاعٌ:

أَحَدُهَا_ وَهُوَ الَّذِي سَاقَهُ أبو شريح العدوي لِأَجْلِهِ -: أَنَّ الطَّائِفَةَ الْمُمْتَنِعَةَ بِهَا مِنْ مُبَايَعَةِ الْإِمَامِ لَا تُقَاتَلُ، لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ لَهَا تَأْوِيلٌ، كَمَا امْتَنَعَ أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مُبَايَعَةِ يزيد، وَبَايَعُوا ابن الزبير، فَلَمْ يَكُنْ قِتَالُهُمْ وَنَصْبُ الْمَنْجَنِيقِ عَلَيْهِمَا، وَإِحْلَالُ حَرَمِ اللَّهِ جَائِزًا بِالنَّصِّ وَالْإِجْمَاعِ، وَإِنَّمَا خَالَفَ فِي ذَلِكَ عَمْرُو بْنُ سَعِيدٍ الْفَاسِقُ وَشِيعَتُهُ، وَعَارَضَ نَصَّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِرَأْيِهِ وَهَوَاهُ، فَقَالَ: إِنَّ الْحَرَمَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا، فَيُقَالُ لَهُ: هُوَ لَا يُعِيذُ عَاصِيًا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ وَلَوْ لَمْ يُعِذْهُ مِنْ سَفْكِ دَمِهِ لَمْ يَكُنْ حَرَمًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْآدَمِيِّينَ، وَكَانَ حَرَمًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى الطَّيْرِ وَالْحَيَوَانِ الْبَهِيمِ، وَهُوَ لَمْ يَزَلْ يُعِيذُ الْعُصَاةَ مِنْ عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَسَلَامُهُ، وَقَامَ الْإِسْلَامُ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعِذْ مقيس بن صبابة، وابن خطل، وَمَنْ سُمِّيَ مَعَهُمَا، لِأَنَّهُ فِي تِلْكَ السَّاعَةِ لَمْ يَكُنْ حَرَمًا، بَلْ حِلًّا، فَلَمَّا انْقَضَتْ سَاعَةُ الْحَرْبِ عَادَ إِلَى مَا وُضِعَ عَلَيْهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ. وَكَانَتِ الْعَرَبُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>