الطَّلَاقَ قَبْلَ الدُّخُولِ، وَأَنَّهُ لَا عِدَّةَ فِيهِ، وَذَكَرَ الطَّلْقَةَ الثَّالِثَةَ، وَأَنَّهَا تُحَرِّمُ الزَّوْجَةَ عَلَى الْمُطَلِّقِ {حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة: ٢٣٠] ، وَذَكَرَ طَلَاقَ الْفِدَاءِ الَّذِي هُوَ الْخُلْعُ، وَسَمَّاهُ فِدْيَةً، وَلَمْ يَحْسِبْهُ مِنَ الثَّلَاثِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَذَكَرَ الطَّلَاقَ الرَّجْعِيَّ الَّذِي الْمُطَلِّقُ أَحَقُّ فِيهِ بِالرَّجْعَةِ، وَهُوَ مَا عَدَا هَذِهِ الْأَقْسَامَ الثَّلَاثَةَ.
وَبِهَذَا احْتَجَّ أحمد وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمَا عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ فِي الشَّرْعِ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ بَعْدَ الدُّخُولِ بِغَيْرِ عِوَضٍ بَائِنَةٌ، وَأَنَّهُ إِذَا قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ طَلْقَةً بَائِنَةً كَانَتْ رَجْعِيَّةً، وَيَلْغُو وَصْفُهَا بِالْبَيْنُونَةِ، وَأَنَّهُ لَا يَمْلِكُ إِبَانَتَهَا إِلَّا بِعِوَضٍ. وَأَمَّا أبو حنيفة، فَقَالَ: تَبِينُ بِذَلِكَ لِأَنَّ الرَّجْعَةَ حَقٌّ لَهُ، وَقَدْ أَسْقَطَهَا، وَالْجُمْهُورُ يَقُولُونَ: وَإِنْ كَانَتِ الرَّجْعَةُ حَقًّا لَهُ لَكِنْ نَفَقَةُ الرَّجْعِيَّةِ وَكِسْوَتُهَا حَقٌّ عَلَيْهِ، فَلَا يَمْلِكُ إِسْقَاطَهُ إِلَّا بِاخْتِيَارِهَا، وَبَذْلِهَا الْعِوَضَ، أَوْ سُؤَالِهَا أَنْ تَفْتَدِيَ نَفْسَهَا مِنْهُ بِغَيْرِ عِوَضٍ فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَهُوَ جَوَازُ الْخُلْعِ بِغَيْرِ عِوَضٍ.
وَأَمَّا إِسْقَاطُ حَقِّهَا مِنَ الْكِسْوَةِ وَالنَّفَقَةِ بِغَيْرِ سُؤَالِهَا وَلَا بَذْلِهَا الْعِوَضَ، فَخِلَافُ النَّصِّ وَالْقِيَاسِ.
قَالُوا: وَأَيْضًا فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ شَرَعَ الطَّلَاقَ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ وَأَنْفَعِهَا لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُطَلِّقُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ بِغَيْرِ عَدَدٍ، فَيُطَلِّقُ أَحَدُهُمُ الْمَرْأَةَ كُلَّمَا شَاءَ، وَيُرَاجِعُهَا، وَهَذَا وَإِنْ كَانَ فِيهِ رِفْقٌ بِالرَّجُلِ، فَفِيهِ إِضْرَارٌ بِالْمَرْأَةِ، فَنَسَخَ سُبْحَانَهُ ذَلِكَ بِثَلَاثٍ، وَقَصَرَ الزَّوْجَ عَلَيْهَا، وَجَعَلَهُ أَحَقَّ بِالرَّجْعَةِ مَا لَمْ تَنْقَضِ عِدَّتُهَا، فَإِذَا اسْتَوْفَى الْعَدَدَ الَّذِي مُلِّكَهُ، حَرُمَتْ عَلَيْهِ، فَكَانَ فِي هَذَا رِفْقٌ بِالرَّجُلِ إِذْ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ بِأَوَّلِ طَلْقَةٍ، وَبِالْمَرْأَةِ حَيْثُ لَمْ يَجْعَلْ إِلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ، فَهَذَا شَرْعُهُ وَحِكْمَتُهُ، وَحُدُودُهُ الَّتِي حَدَّهَا لِعِبَادِهِ، فَلَوْ حَرُمَتْ عَلَيْهِ بِأَوَّلِ طَلْقَةٍ يُطَلِّقُهَا كَانَ خِلَافَ شَرْعِهِ وَحِكْمَتِهِ، وَهُوَ لَمْ يَمْلِكْ إِيقَاعَ الثَّلَاثِ جُمْلَةً، بَلْ إِنَّمَا مُلِّكَ وَاحِدَةً، فَالزَّائِدُ عَلَيْهَا غَيْرُ مَأْذُونٍ لَهُ فِيهِ.
قَالُوا: وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ لَمْ يَمْلِكْ إِبَانَتَهَا بِطَلْقَةٍ وَاحِدَةٍ، إِذْ هُوَ خِلَافُ مَا شَرَعَهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute