الْقَعْدَةِ، فَإِنَّهُ ( «فَتَحَ مَكَّةَ لِعَشْرٍ بَقِينَ مِنْ رَمَضَانَ، وَأَقَامَ بِهَا بَعْدَ الْفَتْحِ تِسْعَ عَشْرَةَ يَقْصُرُ الصَّلَاة» ) ، فَخَرَجَ إِلَى هَوَازِنَ، وَقَدْ بَقِيَ مِنْ شَوَّالٍ عِشْرُونَ يَوْمًا، فَفَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ هَوَازِنَ، وَقَسَمَ غَنَائِمَهَا، ثُمَّ ذَهَبَ مِنْهَا إِلَى الطَّائِفِ فَحَاصَرَهَا بِضْعًا وَعِشْرِينَ لَيْلَةً، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ بَعْضَهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ بِلَا شَكٍّ.
وَقَدْ قِيلَ: إِنَّمَا حَاصَرَهُمْ بِضْعَ عَشْرَةَ لَيْلَةً. قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَهُوَ الصَّحِيحُ بِلَا شَكٍّ، وَهَذَا عَجِيبٌ مِنْهُ، فَمِنْ أَيْنَ لَهُ هَذَا التَّصْحِيحُ وَالْجَزْمُ بِهِ؟ وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ " عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ فِي قِصَّةِ الطَّائِفِ قَالَ: ( «فَحَاصَرْنَاهُمْ أَرْبَعِينَ يَوْمًا فَاسْتَعْصَوْا وَتَمَنَّعُوا» ) وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، فَهَذَا الْحِصَارُ وَقَعَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ بِلَا رَيْبٍ، وَمَعَ هَذَا فَلَا دَلِيلَ فِي الْقِصَّةِ؛ لِأَنَّ غَزْوَ الطَّائِفِ كَانَ مِنْ تَمَامِ غَزْوَةِ هَوَازِنَ، وَهُمْ بَدَءُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِتَالِ، وَلَمَّا انْهَزَمُوا دَخَلَ مَلِكُهُمْ وَهُوَ مالك بن عوف النضري مَعَ ثَقِيفٍ فِي حِصْنِ الطَّائِفِ مُحَارِبِينَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَ غَزْوُهُمْ مِنْ تَمَامِ الْغَزْوَةِ الَّتِي شَرَعَ فِيهَا، وَاللَّه أَعْلَمُ.
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ، وَهِيَ مِنْ آخِرِ الْقُرْآنِ نُزُولًا، وَلَيْسَ فِيهَا مَنْسُوخٌ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ} [المائدة: ٢] [الْمَائِدَةِ: ٢] .
وَقَالَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: ٢١٧] [الْبَقَرَةِ: ٢١٧]
فَهَاتَانِ آيَتَانِ مَدَنِيَّتَانِ بَيْنَهُمَا فِي النُّزُولِ نَحْوُ ثَمَانِيَةِ أَعْوَامٍ، وَلَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَلَا سُنَّةِ رَسُولِهِ نَاسِخٌ لِحُكْمِهِمَا، وَلَا أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى نَسْخِهِ، وَمَنِ اسْتَدَلَّ عَلَى نَسْخِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute