ثُبُوتُ أُبُوَّتِهِ فَرْعٌ عَلَى ثُبُوتِ أُمُومَةِ الْمُرْضِعَةِ؟
قِيلَ: هَذَا الْأَصْلُ فِيهِ قَوْلَانِ لِلْفُقَهَاءِ، وَهُمَا وَجْهَانِ فِي مَذْهَبِ أحمد وَالشَّافِعِيِّ، وَعَلَيْهِ مَسْأَلَةُ مَنْ لَهُ أَرْبَعُ زَوْجَاتٍ فَأَرْضَعْنَ طِفْلَةً كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ رَضْعَتَيْنِ فَإِنَّهُنَّ لَا يَصِرْنَ أُمًّا لَهَا؛ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ لَمْ تُرْضِعْهَا خَمْسَ رَضَعَاتٍ. وَهَلْ يَصِيرُ الزَّوْجُ أَبًا لِلطِّفْلَةِ؟ فِيهِ وَجْهَانِ. أَحَدُهُمَا: لَا يَصِيرُ أَبًا كَمَا لَمْ تَصِرِ الْمُرْضِعَاتُ أُمَّهَاتٍ، وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَصَحُّ: يَصِيرُ أَبًا لِكَوْنِ الْوَلَدِ ارْتَضَعَ مِنْ لَبَنِهِ خَمْسَ رَضَعَاتٍ، وَلَبَنُ الْفَحْلِ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ غَيْرُ مُتَفَرِّعٍ عَلَى أُمُومَةِ الْمُرْضِعَةِ، فَإِنَّ الْأُبُوَّةَ إِنَّمَا تَثْبُتُ بِحُصُولِ الِارْتِضَاعِ مِنْ لَبَنِهِ لَا لِكَوْنِ الْمُرْضِعَةِ أُمَّهُ، وَلَا يَجِيءُ هَذَا عَلَى أَصْلَيْ أبي حنيفة ومالك فَإِنَّ عِنْدَهُمَا قَلِيلَ الرَّضَاعِ وَكَثِيرَهُ مُحَرَّمٌ، فَالزَّوْجَاتُ الْأَرْبَعُ أُمَّهَاتٌ لِلْمُرْتَضِعِ، فَإِذَا قُلْنَا بِثُبُوتِ الْأُبُوَّةِ - وَهُوَ الصَّحِيحُ - حَرُمَتِ الْمُرْضِعَاتُ عَلَى الطِّفْلِ؛ لِأَنَّهُ رَبِيبُهُنَّ وَهُنَّ مَوْطُوآتُ أَبِيهِ، فَهُوَ ابْنُ بَعْلِهِنَّ. وَإِنْ قُلْنَا: لَا تَثْبُتُ الْأُبُوَّةُ، لَمْ يَحْرُمْنَ عَلَيْهِ بِهَذَا الرَّضَاعِ.
وَعَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: مَا لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَمْسُ بَنَاتٍ فَأَرْضَعْنَ طِفْلًا كُلُّ وَاحِدَةٍ رَضْعَةً لَمْ يَصِرْنَ أُمَّهَاتٍ لَهُ. وَهَلْ يَصِيرُ الرَّجُلُ جَدًّا لَهُ، وَأَوْلَادُهُ الَّذِينَ هُمْ إِخْوَةُ الْمُرْضِعَاتِ أَخْوَالًا لَهُ وَخَالَاتٍ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: يَصِيرُ جَدًّا وَأَخُوهُنَّ خَالًا؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَمَلَ الْمُرْتَضِعُ خَمْسَ رَضَعَاتٍ مِنْ لَبَنِ بَنَاتِهِ فَصَارَ جَدًّا، كَمَا لَوْ كَانَ الْمُرْتَضِعُ بِنْتًا وَاحِدَةً. وَإِذَا صَارَ جَدًّا كَانَ أَوْلَادُهُ الَّذِينَ هُمْ إِخْوَةُ الْبَنَاتِ أَخْوَالًا وَخَالَاتٍ، لِأَنَّهُنَّ إِخْوَةُ مَنْ كَمَلَ لَهُ مِنْهُنَّ خَمْسُ رَضَعَاتٍ فَنُزِّلُوا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ مَنْزِلَةَ أُمٍّ وَاحِدَةٍ، وَالْآخَرُ: لَا يَصِيرُ جَدًّا وَلَا أَخَوَاتُهُنَّ خَالَاتٍ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ جَدًّا فَرْعٌ عَلَى كَوْنِ ابْنَتِهِ أُمًّا، وَكَوْنُ أَخِيهَا خَالًا فَرْعٌ عَلَى كَوْنِ أُخْتِهِ أُمًّا، وَلَمْ يَثْبُتِ الْأَصْلُ فَلَا يَثْبُتُ فَرْعُهُ، وَهَذَا الْوَجْهُ أَصَحُّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِخِلَافِ الَّتِي قَبْلَهَا؛ فَإِنَّ ثُبُوتَ الْأُبُوَّةِ فِيهَا لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْأُمُومَةِ عَلَى الصَّحِيحِ. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّ الْفَرْعِيَّةَ مُتَحَقِّقَةٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بَيْنَ الْمُرْضِعَاتِ وَأَبِيهِنَّ فَإِنَّهُنَّ بَنَاتُهُ، وَاللَّبَنُ لَيْسَ لَهُ، فَالتَّحْرِيمُ هُنَا بَيْنَ الْمُرْضِعَةِ وَابْنِهَا، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ أُمًّا لَمْ يَكُنْ أَبُوهَا جَدًّا،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute