إِمَّا أَنْ يَكُونَ بِلِعَانِ الزَّوْجِ وَحْدَهُ، لِأَنَّهُ لَوْ تَحَقَّقَ بِهِ لَمْ يَسْقُطْ بِلِعَانِهَا الْحَدُّ، وَلَمَا وَجَبَ بَعْدَ ذَلِكَ حَدٌّ عَلَى قَاذِفِهَا، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَحَقَّقَ بِنُكُولِهَا أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْحَدَّ لَا يَثْبُتُ بِالنُّكُولِ، فَإِنَّ الْحَدَّ يُدْرَأُ بِالشُّبُهَاتِ فَكَيْفَ يَجِبُ بِالنُّكُولِ، فَإِنَّ النُّكُولَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِشِدَّةِ خَفَرِهَا أَوْ لِعُقْلَةِ لِسَانِهَا، أَوْ لِدَهَشِهَا فِي ذَلِكَ الْمَقَامِ الْفَاضِحِ الْمُخْزِي، أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْبَابِ، فَكَيْفَ يَثْبُتُ الْحَدُّ الَّذِي اعْتُبِرَ فِي بَيِّنَتِهِ مِنَ الْعَدَدِ ضِعْفُ مَا اعْتُبِرَ فِي سَائِرِ الْحُدُودِ، وَفِي إِقْرَارِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ بِالسُّنَّةِ الصَّحِيحَةِ الصَّرِيحَةِ، وَاعْتُبِرَ فِي كُلٍّ مِنَ الْإِقْرَارِ وَالْبَيِّنَةِ أَنْ يَتَضَمَّنَ وَصْفَ الْفِعْلِ، وَالتَّصْرِيحَ بِهِ مُبَالَغَةً فِي السَّتْرِ، وَدَفْعًا لِإِثْبَاتِ الْحَدِّ بِأَبْلَغِ الطُّرُقِ وَآكَدِهَا، وَتَوَسُّلًا إِلَى إِسْقَاطِ الْحَدِّ بِأَدْنَى شُبْهَةٍ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يُقْضَى فِيهِ بِالنُّكُولِ الَّذِي هُوَ فِي نَفْسِهِ شُبْهَةٌ لَا يُقْضَى بِهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْحُدُودِ وَالْعُقُوبَاتِ الْبَتَّةَ، وَلَا فِيمَا عَدَا الْأَمْوَالَ؟ .
قَالُوا: وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَا يَرَى الْقَضَاءَ بِالنُّكُولِ فِي دِرْهَمٍ فَمَا دُونَهُ وَلَا فِي أَدْنَى تَعْزِيرٍ، فَكَيْفَ يُقْضَى بِهِ فِي أَعْظَمِ الْأُمُورِ وَأَبْعَدِهَا ثُبُوتًا وَأَسْرَعِهَا سُقُوطًا؟ وَلِأَنَّهَا لَوْ أَقَرَّتْ بِلِسَانِهَا ثُمَّ رَجَعَتْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهَا الْحَدُّ، فَلَأَنْ لَا يَجِبَ بِمُجَرَّدِ امْتِنَاعِهَا مِنَ الْيَمِينِ عَلَى بَرَاءَتِهَا أَوْلَى، وَإِذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَا تَأْثِيرَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي تَحَقُّقِ زِنَاهَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ بِتَحَقُّقِهِ بِهِمَا لِوَجْهَيْنِ.
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَا فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنَ الشُّبْهَةِ لَا يَزُولُ بِضَمِّ أَحَدِهِمَا إِلَى الْآخَرِ، كَشَهَادَةِ مِائَةِ فَاسِقٍ، فَإِنَّ احْتِمَالَ نُكُولِهَا لِفَرْطِ حَيَائِهَا، وَهَيْبَةِ ذَلِكَ الْمَقَامِ وَالْجَمْعِ، وَشِدَّةِ الْخَفَرِ، وَعَجْزِهَا عَنِ النُّطْقِ، وَعُقْلَةِ لِسَانِهَا، لَا يَزُولُ بِلِعَانِ الزَّوْجِ وَلَا بِنُكُولِهَا.
الثَّانِي: أَنَّ مَا لَا يُقْضَى فِيهِ بِالْيَمِينِ الْمُفْرَدَةِ لَا يُقْضَى فِيهِ بِالْيَمِينِ مَعَ النُّكُولِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ.
قَالُوا: وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ} [النور: ٨] فَالْعَذَابُ هَاهُنَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute