هَذَا يَهُودُ خَيْبَرَ إِذْ ذَاكَ، لِأَنَّ الْعَقْدَ كَانَ قَدِيمًا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَلَى إِقْرَارِهِمْ، وَأَنْ يَكُونُوا عُمَّالًا فِي الْأَرْضِ بِالشَّطْرِ، فَلَمْ يُطَالِبْهُمْ بِشَيْءٍ غَيْرِ ذَلِكَ وَطَالَبَ سِوَاهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ عَقْدٌ كَعَقْدِهِمْ بِالْجِزْيَةِ، كَنَصَارَى نَجْرَانَ، وَيَهُودِ الْيَمَنِ، وَغَيْرِهِمْ. فَلَمَّا أَجْلَاهُمْ عمر إِلَى الشَّامِ، تَغَيَّرَ ذَلِكَ الْعَقْدُ الَّذِي تَضَمَّنَ إِقْرَارَهُمْ فِي أَرْضِ خَيْبَرَ، وَصَارَ لَهُمْ حُكْمُ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ.
وَلَمَّا كَانَ فِي بَعْضِ الدُّوَلِ الَّتِي خَفِيَتْ فِيهَا السُّنَّةُ وَأَعْلَامُهَا، أَظْهَرَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ كِتَابًا قَدْ عَتَّقُوهُ وَزَوَّرُوهُ، وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْقَطَ عَنْ يَهُودِ خَيْبَرَ الْجِزْيَةَ، وَفِيهِ شَهَادَةُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَسَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وَجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، فَرَاجَ ذَلِكَ عَلَى مَنْ جَهِلَ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَغَازِيَهُ وَسِيَرَهُ، وَتَوَهَّمُوا، بَلْ ظَنُّوا صِحَّتَهُ، فَجَرَوْا عَلَى حُكْمِ هَذَا الْكِتَابِ الْمُزَوَّرِ حَتَّى أُلْقِيَ إِلَى شَيْخِ الْإِسْلَامِ ابن تيمية - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - وَطُلِبَ مِنْهُ أَنْ يُعِينَ عَلَى تَنْفِيذِهِ، وَالْعَمَلِ عَلَيْهِ، فَبَصَقَ عَلَيْهِ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى كَذِبِهِ بِعَشَرَةِ أَوْجُهٍ:
مِنْهَا: أَنَّ فِيهِ شَهَادَةَ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ، وسعد تُوُفِّيَ قَبْلَ خَيْبَرَ قَطْعًا.
وَمِنْهَا: أَنَّ فِي الْكِتَابِ أَنَّهُ أَسْقَطَ عَنْهُمُ الْجِزْيَةَ وَالْجِزْيَةُ لَمْ تَكُنْ نَزَلَتْ بَعْدُ، وَلَا يَعْرِفُهَا الصَّحَابَةُ حِينَئِذٍ، فَإِنَّ نُزُولَهَا كَانَ عَامَ تَبُوكَ بَعْدَ خَيْبَرَ بِثَلَاثَةِ أَعْوَامٍ.
وَمِنْهَا: أَنَّهُ أَسْقَطَ عَنْهُمُ الْكُلَفَ وَالسُّخَرَ، وَهَذَا مُحَالٌ، فَلَمْ يَكُنْ فِي زَمَانِهِ كُلَفٌ وَلَا سُخَرٌ تُؤْخَذُ مِنْهُمْ وَلَا مِنْ غَيْرِهِمْ، وَقَدْ أَعَاذَهُ اللَّهُ، وَأَعَاذَ أَصْحَابَهُ مِنْ أَخْذِ الْكُلَفِ وَالسُّخَرِ، وَإِنَّمَا هِيَ مِنْ وَضْعِ الْمُلُوكِ الظَّلَمَةِ وَاسْتَمَرَّ الْأَمْرُ عَلَيْهَا.
وَمِنْهَا: أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ عَلَى اخْتِلَافِ أَصْنَافِهِمْ، فَلَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْمَغَازِي وَالسِّيَرِ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْفِقْهِ وَالْإِفْتَاءِ، وَلَا أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ وَلَا أَظْهَرُوهُ فِي زَمَانِ السَّلَفِ، لِعِلْمِهِمْ أَنَّهُمْ إِنْ زَوَّرُوا مِثْلَ ذَلِكَ، عَرَفُوا كَذِبَهُ وَبُطْلَانَهُ، فَلَمَّا اسْتَخَفُّوا بَعْضَ الدُّوَلِ فِي وَقْتِ فِتْنَةٍ وَخَفَاءِ بَعْضِ السُّنَّةِ، زَوَّرُوا ذَلِكَ، وَعَتَّقُوهُ وَأَظْهَرُوهُ وَسَاعَدَهُمْ عَلَى ذَلِكَ طَمَعُ بَعْضِ الْخَائِنِينَ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ وَلَمْ يَسْتَمِرَّ لَهُمْ ذَلِكَ حَتَّى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute