الْكِتَابِ لَمْ تَكُنْ ثَبَتَتْ بَعْدُ، إِنَّمَا أُبِحْنَ بَعْدَ ذَلِكَ فِي سُورَةِ الْمَائِدَةِ بِقَوْلِهِ: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [المائدة: ٥] [الْمَائِدَةِ: ٥] ، وَهَذَا مُتَّصِلٌ بِقَوْلِهِ: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: ٣] [الْمَائِدَةِ: ٣] ، وَبِقَوْلِهِ: {الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ} [المائدة: ٣] [الْمَائِدَةِ: ٣] ، وَهَذَا كَانَ فِي آخِرِ الْأَمْرِ بَعْدَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَوْ فِيهَا، فَلَمْ تَكُنْ إِبَاحَةُ نِسَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ ثَابِتَةً زَمَنَ خَيْبَرَ، وَلَا كَانَ لِلْمُسْلِمِينَ رَغْبَةٌ فِي الِاسْتِمْتَاعِ بِنِسَاءِ عَدُوِّهِمْ قَبْلَ الْفَتْحِ، وَبَعْدَ الْفَتْحِ اسْتُرِقَّ مَنِ اسْتُرِقَّ مِنْهُنَّ وَصِرْنَ إِمَاءً لِلْمُسْلِمِينَ.
فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَصْنَعُونَ بِمَا ثَبَتَ فِي " الصَّحِيحَيْنِ " مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ: " أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: ( «نَهَى عَنْ مُتْعَةِ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ، وَعَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحُمُرِ الْإِنْسِيَّةِ» ) ، وَهَذَا صَحِيحٌ صَرِيحٌ؟ .
قِيلَ: هَذَا الْحَدِيثُ قَدْ صَحَّتْ رِوَايَتُهُ بِلَفْظَيْنِ هَذَا أَحَدُهُمَا. وَالثَّانِي: الِاقْتِصَارُ عَلَى نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، وَعَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ يَوْمَ خَيْبَرَ، هَذِهِ رِوَايَةُ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنِ الزُّهْرِيِّ. قَالَ قَاسِمُ بْنُ أَصْبَغَ: قَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: يَعْنِي أَنَّهُ نَهَى عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ زَمَنَ خَيْبَرَ، لَا عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ، ذَكَرَهُ أبو عمر، وَفِي " التَّمْهِيدِ ": ثُمَّ قَالَ عَلَى هَذَا أَكْثَرُ النَّاسِ، انْتَهَى، فَتَوَهَّمَ بَعْضُ الرُّوَاةِ أَنَّ يَوْمَ خَيْبَرَ ظَرْفٌ لِتَحْرِيمِهِنَّ فَرَوَاهُ: «حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتْعَةَ زَمَنَ خَيْبَرَ وَالْحُمُرَ الْأَهْلِيَّةَ» ، وَاقْتَصَرَ بَعْضُهُمْ عَلَى رِوَايَةِ بَعْضِ الْحَدِيثِ فَقَالَ: حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُتْعَةَ زَمَنَ خَيْبَرَ، فَجَاءَ بِالْغَلَطِ الْبَيِّنِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ التَّحْرِيمَيْنِ إِذَا لَمْ يَكُونَا قَدْ وَقَعَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَأَيْنَ الْمُتْعَةُ مِنْ تَحْرِيمِ الْحُمُرِ؟ قِيلَ: هَذَا الْحَدِيثُ رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مُحْتَجًّا بِهِ عَلَى ابْنِ عَمِّهِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute