فَاسِقَةً، أَوْ مُسَافِرَةً، فَلَا يَصِحُّ الِاحْتِجَاجُ بِهِ عَلَى ذَلِكَ وَلَا نَفْيُهُ، فَإِذَا دَلَّ دَلِيلٌ مُنْفَصِلٌ عَلَى اعْتِبَارِ الْإِسْلَامِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالدِّيَانَةِ وَالْإِقَامَةِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ تَخْصِيصًا وَلَا مُخَالَفَةً لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ.
وَقَدِ اشْتُرِطَ فِي الْحَاضِنِ سِتَّةُ شُرُوطٍ: اتِّفَاقُهُمَا فِي الدِّينِ، فَلَا حَضَانَةَ لِكَافِرٍ عَلَى مُسْلِمٍ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحَاضِنَ حَرِيصٌ عَلَى تَرْبِيَةِ الطِّفْلِ عَلَى دِينِهِ، وَأَنْ يَنْشَأَ عَلَيْهِ، وَيَتَرَبَّى عَلَيْهِ فَيَصْعُبُ بَعْدَ كِبَرِهِ وَعَقْلِهِ انْتِقَالُهُ عَنْهُ، وَقَدْ يُغَيِّرُهُ عَنْ فِطْرَةِ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ عَلَيْهَا عِبَادَهُ، فَلَا يُرَاجِعُهَا أَبَدًا، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «كُلُّ مَوْلُودٍ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ، أَوْ يُنَصِّرَانِهِ، أَوْ يُمَجِّسَانِهِ» ) . فَلَا يُؤْمَنُ تَهْوِيدُ الْحَاضِنِ وَتَنْصِيرُهُ لِلطِّفْلِ الْمُسْلِمِ.
فَإِنْ قِيلَ: الْحَدِيثُ إِنَّمَا جَاءَ فِي الْأَبَوَيْنِ خَاصَّةً.
قِيلَ: الْحَدِيثُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ إِذِ الْغَالِبُ الْمُعْتَادُ نُشُوءُ الطِّفْلِ بَيْنَ أَبَوَيْهِ، فَإِنْ فُقِدَ الْأَبَوَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا قَامَ وَلِيُّ الطِّفْلِ مِنْ أَقَارِبِهِ مَقَامَهُمَا.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَطَعَ الْمُوَالَاةَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ، وَجَعَلَ الْمُسْلِمِينَ بَعْضَهُمْ أَوْلِيَاءَ بَعْضٍ، وَالْكُفَّارَ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَالْحَضَانَةُ مِنْ أَقْوَى أَسْبَابِ الْمُوَالَاةِ الَّتِي قَطَعَهَا اللَّهُ بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ. وَقَالَ أَهْلُ الرَّأْيِ، وابن القاسم، وَأَبُو ثَوْرٍ: تَثْبُتُ الْحَضَانَةُ لَهَا مَعَ كُفْرِهَا وَإِسْلَامِ الْوَلَدِ، وَاحْتَجُّوا بِمَا رَوَى النَّسَائِيُّ فِي سُنَنِهِ، مِنْ حَدِيثِ عبد الحميد بن جعفر، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رافع بن سنان، ( «أَنَّهُ أَسْلَمَ وَأَبَتِ امْرَأَتُهُ أَنْ تُسْلِمَ، فَأَتَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: ابْنَتِي وَهِيَ فَطِيمٌ أَوْ يُشْبِهُهُ، وَقَالَ رافع: ابْنَتِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " اقْعُدْ نَاحِيَةً "، وَقَالَ لَهَا: " اقْعُدِي نَاحِيَةً "،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute