للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَنْهُمَا، وزيد فِي الْبَرِيَّةِ: إِنَّهَا ثَلَاثٌ. وَقَالَ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: (هِيَ وَاحِدَةٌ وَهُوَ أَحَقُّ بِهَا) وَقَالَ علي فِي الْحَرَجِ: هِيَ ثَلَاثٌ، وَقَالَ عمر: وَاحِدَةٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ أَقْوَالِهِمْ فِي أَمْرُكِ بِيَدِكِ وَأَنْتِ حَرَامٌ.

وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ الطَّلَاقَ، وَلَمْ يُعَيِّنْ لَهُ لَفْظًا، فَعُلِمَ أَنَّهُ رَدَّ النَّاسَ إِلَى مَا يَتَعَارَفُونَهُ طَلَاقًا، فَأَيُّ لَفْظٍ جَرَى عُرْفُهُمْ بِهِ، وَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ مَعَ النِّيَّةِ.

وَالْأَلْفَاظُ لَا تُرَادُ لِعَيْنِهَا، بَلْ لِلدَّلَالَةِ عَلَى مَقَاصِدِ لَافِظِهَا، فَإِذَا تَكَلَّمَ بِلَفْظٍ دَالٍّ عَلَى مَعْنًى، وَقَصَدَ بِهِ ذَلِكَ الْمَعْنَى، تَرَتَّبَ عَلَيْهِ حُكْمُهُ، وَلِهَذَا يَقَعُ الطَّلَاقُ مِنَ الْعَجَمِيِّ وَالتُّرْكِيِّ وَالْهِنْدِيِّ بِأَلْسِنَتِهِمْ، بَلْ لَوْ طَلَّقَ أَحَدُهُمْ بِصَرِيحِ الطَّلَاقِ بِالْعَرَبِيَّةِ، وَلَمْ يَفْهَمْ مَعْنَاهُ لَمْ يَقَعْ بِهِ شَيْءٌ قَطْعًا، فَإِنَّهُ تَكَلَّمَ بِمَا لَا يَفْهَمُ مَعْنَاهُ وَلَا قَصَدَهُ، وَقَدْ دَلَّ حَدِيثُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَلَى أَنَّ الطَّلَاقَ لَا يَقَعُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَمْثَالِهِ إِلَّا بِالنِّيَّةِ.

وَالصَّوَابُ أَنَّ ذَلِكَ جَارٍ فِي سَائِرِ الْأَلْفَاظِ صَرِيحِهَا وَكِنَايَتِهَا، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَلْفَاظِ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ، فَلَوْ قَالَ: غُلَامِي غُلَامٌ حُرٌّ لَا يَأْتِي الْفَوَاحِشَ، أَوْ أَمَتِي أَمَةٌ حُرَّةٌ لَا تَبْغِي الْفُجُورَ، وَلَمْ يَخْطُرْ بِبَالِهِ الْعِتْقُ وَلَا نَوَاهُ، لَمْ يَعْتِقْ بِذَلِكَ قَطْعًا، وَكَذَلِكَ لَوْ كَانَتْ مَعَهُ امْرَأَتُهُ فِي طَرِيقٍ فَافْتَرَقَا، فَقِيلَ لَهُ أَيْنَ امْرَأَتُكَ؟ فَقَالَ: فَارَقْتُهَا، أَوْ سَرَّحَ شَعْرَهَا وَقَالَ: سَرَّحْتُهَا وَلَمْ يُرِدْ طَلَاقًا، لَمْ تَطْلُقْ. كَذَلِكَ إِذَا ضَرَبَهَا الطَّلْقُ وَقَالَ لِغَيْرِهِ إِخْبَارًا عَنْهَا بِذَلِكَ: إِنَّهَا طَالِقٌ لَمْ تَطْلُقْ بِذَلِكَ، وَكَذَلِكَ إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ فِي وَثَاقٍ فَأَطْلَقَتْ مِنْهُ، فَقَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ، وَأَرَادَ مِنَ الْوَثَاقِ.

هَذَا كُلُّهُ مَذْهَبُ مالك وأحمد فِي بَعْضِ هَذِهِ الصُّوَرِ، وَبَعْضُهَا نَظِيرُ مَا نُصَّ عَلَيْهِ، وَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ بِهِ حَتَّى يَنْوِيَهُ وَيَأْتِيَ بِلَفْظٍ دَالٍّ عَلَيْهِ، فَلَوِ انْفَرَدَ أَحَدُ الْأَمْرَيْنِ عَنِ الْآخَرِ، لَمْ يَقَعِ الطَّلَاقُ، وَلَا الْعِتَاقُ، وَتَقْسِيمُ الْأَلْفَاظِ إِلَى صَرِيحٍ وَكِنَايَةٍ وَإِنْ كَانَ تَقْسِيمًا صَحِيحًا فِي أَصْلِ الْوَضْعِ، لَكِنْ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ، فَلَيْسَ حُكْمًا ثَابِتًا لِلَّفْظِ لِذَاتِهِ، فَرُبَّ لَفْظٍ صَرِيحٍ عِنْدَ قَوْمٍ كِنَايَةٌ عِنْدَ آخَرِينَ، أَوْ صَرِيحٌ فِي زَمَانٍ أَوْ مَكَانٍ كِنَايَةٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ، وَالْوَاقِعُ شَاهِدٌ بِذَلِكَ، فَهَذَا لَفْظُ السَّرَاحِ لَا يَكَادُ أَحَدٌ يَسْتَعْمِلُهُ فِي الطَّلَاقِ لَا صَرِيحًا وَلَا

<<  <  ج: ص:  >  >>