للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بِذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ مَرَّةً وَاحِدَةً، وَهَذَا غَلَطٌ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لَمْ يَنْقُلْهُ عِنْدَ أَحَدٍ، وَلَا قَالَهُ أَحَدٌ مِنَ الْأَئِمَّةِ الَّذِينَ اشْتَهَرَتْ أَقْوَالُهُمْ، وَإِنْ ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْأَئِمَّةِ، وَمِمَّا يُبَيِّنُ بُطْلَانَ هَذَا الْقَوْلِ، أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا خِلَافَ عَنْهُ أَنَّهُ خَتَمَ سَعْيَهُ بِالْمَرْوَةِ، وَلَوْ كَانَ الذَّهَابُ وَالرُّجُوعُ مَرَّةً وَاحِدَةً، لَكَانَ خَتْمُهُ إِنَّمَا يَقَعُ عَلَى الصَّفَا.

وَكَانَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا وَصَلَ إِلَى الْمَرْوَةِ، رَقِيَ عَلَيْهَا، وَاسْتَقْبَلَ الْبَيْتَ، وَكَبَّرَ اللَّهَ، وَوَحَّدَهُ، وَفَعَلَ كَمَا فَعَلَ عَلَى الصَّفَا، فَلَمَّا أَكْمَلَ سَعْيَهُ عِنْدَ الْمَرْوَةِ، أَمَرَ كُلَّ مَنْ لَا هَدْيَ مَعَهُ أَنْ يَحِلَّ حَتْمًا، وَلَا بُدَّ قَارِنًا كَانَ أَوْ مُفْرِدًا، وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَحِلُّوا الْحِلَّ كُلَّهُ مِنْ وَطْءِ النِّسَاءِ، وَالطِّيبِ، وَلُبْسِ الْمَخِيطِ، وَأَنْ يَبْقَوْا كَذَلِكَ إِلَى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ، وَلَمْ يَحِلَّ هُوَ مِنْ أَجْلِ هَدْيِهِ، وَهُنَاكَ قَالَ: " «لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَلَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً» ".

وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ أَحَلَّ هُوَ أَيْضًا، وَهُوَ غَلَطٌ قَطْعًا، قَدْ بَيَّنَّاهُ فِيمَا تَقَدَّمَ.

وَهُنَاكَ دَعَا لِلْمُحَلِّقِينَ بِالْمَغْفِرَةِ ثَلَاثًا، وَلِلْمُقَصِّرِينَ مَرَّةً، وَهُنَاكَ سَأَلَهُ سراقة بن مالك بن جعشم عَقِيبَ أَمْرِهِ لَهُمْ بِالْفَسْخِ وَالْإِحْلَالِ: هَلْ ذَلِكَ لِعَامِهِمْ خَاصَّةً، أَمْ لِلْأَبَدِ؟ فَقَالَ: " بَلْ لِلْأَبَدِ ". وَلَمْ يَحِلَّ أبو بكر، وَلَا عمر، وَلَا علي وَلَا طلحة، وَلَا الزبير مِنْ أَجْلِ الْهَدْيِ.

وَأَمَّا نِسَاؤُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَحْلَلْنَ، وَكُنَّ قَارِنَاتٍ، إِلَّا عائشة فَإِنَّهَا لَمْ تَحِلَّ مِنْ أَجْلِ تَعَذُّرِ الْحِلِّ عَلَيْهَا لِحَيْضِهَا، وفاطمة حَلَّتْ؛ لِأَنَّهَا لَمْ يَكُنْ مَعَهَا هَدْيٌ، وعلي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَحِلَّ مِنْ أَجْلِ هَدْيِهِ، وَأَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ أَهَلَّ بِإِهْلَالٍ كَإِهْلَالِهِ أَنْ يُقِيمَ عَلَى إِحْرَامِهِ إِنْ كَانَ مَعَهُ هَدْيٌ، وَأَنْ يَحِلَّ إِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ.

وَكَانَ يُصَلِّي مُدَّةَ مُقَامِهِ بِمَكَّةَ إِلَى يَوْمِ التَّرْوِيَةِ بِمَنْزِلِهِ الَّذِي هُوَ نَازِلٌ فِيهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>