للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رَأَيْتُ حييا يَطُوفُ فِي خَرِبَةٍ هَاهُنَا، فَذَهَبُوا فَطَافُوا، فَوَجَدُوا الْمَسْكَ فِي الْخَرِبَةِ، فَقَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ابْنَيْ أَبِي الْحُقَيْقِ، وَأَحَدُهُمَا زَوْجُ صفية بنت حيي بن أخطب، وَسَبَى نِسَاءَهُمْ وَذَرَارِيَّهُمْ، وَقَسَمَ أَمْوَالَهُمْ بِالنَّكْثِ الَّذِي نَكَثُوا، وَأَرَادَ أَنْ يُجْلِيَهُمْ مِنْ خَيْبَرَ، فَقَالُوا: دَعْنَا نَكُونُ فِي هَذِهِ الْأَرْضِ نُصْلِحُهَا وَنَقُومُ عَلَيْهَا، فَنَحْنُ أَعْلَمُ بِهَا مِنْكُمْ، وَلَمْ يَكُنْ لِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا لِأَصْحَابِهِ غِلْمَانٌ يَكْفُونَهُمْ مُؤْنَتَهَا، فَدَفَعَهَا إِلَيْهِمْ عَلَى أَنَّ لِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الشَّطْرَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ يَخْرُجُ مِنْهَا مِنْ ثَمَرٍ أَوْ زَرْعٍ، وَلَهُمُ الشَّطْرُ، وَعَلَى أَنْ يُقِرَّهُمْ فِيهَا مَا شَاءَ.

وَلَمْ يَعُمَّهُمْ بِالْقَتْلِ كَمَا عَمَّ قُرَيْظَةَ لِاشْتِرَاكِ أُولَئِكَ فِي نَقْضِ الْعَهْدِ، وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَالَّذِينَ عَلِمُوا بِالْمَسْكِ وَغَيَّبُوهُ وَشَرَطُوا لَهُ إِنْ ظَهَرَ، فَلَا ذِمَّةَ لَهُمْ وَلَا عَهْدَ، فَإِنَّهُ قَتَلَهُمْ بِشَرْطِهِمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَلَمْ يَتَعَدَّ ذَلِكَ إِلَى سَائِرِ أَهْلِ خَيْبَرَ، فَإِنَّهُ مَعْلُومٌ قَطْعًا أَنَّ جَمِيعَهُمْ لَمْ يَعْلَمُوا بِمَسْكِ حُيَيٍّ، وَأَنَّهُ مَدْفُونٌ فِي خَرِبَةٍ، فَهَذَا نَظِيرُ الذِّمِّيِّ وَالْمُعَاهَدِ إِذَا نَقَضَ الْعَهْدَ، وَلَمْ يُمَالِئْهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَإِنَّ حُكْمَ النَّقْضِ مُخْتَصٌّ بِهِ.

ثُمَّ فِي دَفْعِهِ إِلَيْهِمُ الْأَرْضَ عَلَى النِّصْفِ دَلِيلٌ ظَاهِرٌ عَلَى جَوَازِ الْمُسَاقَاةِ وَالْمُزَارَعَةِ، وَكَوْنِ الشَّجَرِ نَخْلًا لَا أَثَرَ لَهُ الْبَتَّةَ، فَحُكْمُ الشَّيْءِ حُكْمُ نَظِيرِهِ، فَبَلَدٌ شَجَرُهُمُ الْأَعْنَابُ وَالتِّينُ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الثِّمَارِ، فِي الْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ، حُكْمُهُ حُكْمُ بَلَدٍ شَجَرُهُمُ النَّخْلُ سَوَاءٌ وَلَا فَرْقَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>