للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْأَمْوَالِ، وَهَذَا نَظِيرُ اللَّوْثِ فِي الدِّمَاءِ، وَأَوْلَى بِالْجَوَازِ مِنْهُ، وَعَلَى هَذَا إِذَا اطَّلَعَ الرَّجُلُ الْمَسْرُوقُ مَالُهُ عَلَى بَعْضِهِ فِي يَدِ خَائِنٍ مَعْرُوفٍ بِذَلِكَ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ اشْتَرَاهُ مِنْ غَيْرِهِ، جَازَ لَهُ أَنْ يَحْلِفَ أَنَّ بَقِيَّةَ مَالِهِ عِنْدَهُ، وَأَنَّهُ صَاحِبُ السَّرِقَةِ اسْتِنَادًا إِلَى اللَّوْثِ الظَّاهِرِ، وَالْقَرَائِنِ الَّتِي تَكْشِفُ الْأَمْرَ وَتُوَضِّحُهُ، وَهُوَ نَظِيرُ حَلِفِ أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ فِي الْقَسَامَةِ أَنَّ فُلَانًا قَتَلَهُ: سَوَاءٌ، بَلْ أَمْرُ الْأَمْوَالِ أَسْهَلُ وَأَخَفُّ، وَلِذَلِكَ ثَبَتَ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَدَعْوَى وَنُكُولٍ، بِخِلَافِ الدِّمَاءِ. فَإِذَا جَازَ إِثْبَاتُهَا بِاللَّوْثِ، فَإِثْبَاتُ الْأَمْوَالِ بِهِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى.

وَالْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ يَدُلَّانِ عَلَى هَذَا وَهَذَا، وَلَيْسَ مَعَ مَنِ ادَّعَى نَسْخَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ مِنْ ذَلِكَ حُجَّةٌ أَصَلًا، فَإِنَّ هَذَا الْحُكْمَ فِي (سُورَةِ الْمَائِدَةِ) ، وَهِيَ مِنْ آخِرِ مَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ، وَقَدْ حَكَمَ بِمُوجَبِهَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَهُ كَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَأَقَرَّهُ الصَّحَابَةُ.

وَمِنْ هَذَا أَيْضًا مَا حَكَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي قِصَّةِ يُوسُفَ مِنِ اسْتِدْلَالِ الشَّاهِدِ بِقَرِينَةِ قَدِّ الْقَمِيصِ مِنْ دُبُرٍ عَلَى صِدْقِهِ، وَكَذِبِ الْمَرْأَةِ، وَأَنَّهُ كَانَ هَارِبًا مُوَلِّيًا، فَأَدْرَكَتْهُ الْمَرْأَةُ مِنْ وَرَائِهِ فَجَبَذَتْهُ فَقَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ، فَعَلِمَ بَعْلُهَا وَالْحَاضِرُونَ صِدْقَهُ وَقَبِلُوا هَذَا الْحُكْمَ وَجَعَلُوا الذَّنْبَ ذَنْبَهَا، وَأَمَرُوهَا بِالتَّوْبَةِ وَحَكَاهُ اللَّهُ - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - حِكَايَةَ مُقَرِّرٍ لَهُ غَيْرِ مُنْكِرٍ، وَالتَّأَسِّي بِذَلِكَ وَأَمْثَالِهِ فِي إِقْرَارِ اللَّهِ لَهُ، وَعَدَمِ إِنْكَارِهِ، لَا فِي مُجَرَّدِ حِكَايَتِهِ فَإِنَّهُ إِذَا أَخْبَرَ بِهِ مُقِرًّا عَلَيْهِ، وَمُثْنِيًا عَلَى فَاعِلِهِ وَمَادِحًا لَهُ، دَلَّ عَلَى رِضَاهُ بِهِ وَأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>