للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَسَرُوا عثمان والحكم، وَأَفْلَتَ نوفل، ثُمَّ قَدِمُوا بِالْعِيرِ وَالْأَسِيرَيْنِ، وَقَدْ عَزَلُوا مِنْ ذَلِكَ الْخُمُسَ، وَهُوَ أَوَّلُ خُمُسٍ كَانَ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَوَّلُ قَتِيلٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَوَّلُ أَسِيرَيْنِ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ مَا فَعَلُوهُ، وَاشْتَدَّ تَعَنُّتُ قُرَيْشٍ وَإِنْكَارُهُمْ ذَلِكَ، وَزَعَمُوا أَنَّهُمْ قَدْ وَجَدُوا مَقَالًا، فَقَالُوا: قَدْ أَحَلَّ مُحَمَّدٌ الشَّهْرَ الْحَرَامَ، وَاشْتَدَّ عَلَى الْمُسْلِمِينَ ذَلِكَ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ} [البقرة: ٢١٧] [الْبَقَرَةِ: ٢١٧] . يَقُولُ سُبْحَانَهُ: هَذَا الَّذِي أَنْكَرْتُمُوهُ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ كَانَ كَبِيرًا، فَمَا ارْتَكَبْتُمُوهُ أَنْتُمْ مِنَ الْكُفْرِ بِاللَّهِ وَالصَّدِّ عَنْ سَبِيلِهِ، وَعَنْ بَيْتِهِ وَإِخْرَاجِ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ هُمْ أَهْلُهُ مِنْهُ، وَالشِّرْكِ الَّذِي أَنْتُمْ عَلَيْهِ، وَالْفِتْنَةِ الَّتِي حَصَلَتْ مِنْكُمْ بِهِ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ قِتَالِهِمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ، وَأَكْثَرُ السَّلَفِ فَسَّرُوا الْفِتْنَةَ هَاهُنَا بِالشِّرْكِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ} [البقرة: ١٩٣] [الْبَقَرَةِ: ١٩٣] . وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [الأنعام: ٢٣] [الْأَنْعَامِ: ٢٣] أَيْ: لَمْ يَكُنْ مَآلُ شِرْكِهِمْ وَعَاقِبَتُهُ، وَآخِرُ أَمْرِهِمْ، إِلَّا أَنْ تَبَرَّءُوا مِنْهُ وَأَنْكَرُوهُ.

وَحَقِيقَتُهَا: أَنَّهَا الشِّرْكُ الَّذِي يَدْعُو صَاحِبُهُ إِلَيْهِ وَيُقَاتِلُ عَلَيْهِ، وَيُعَاقِبُ مَنْ لَمْ يَفْتَتِنْ بِهِ، وَلِهَذَا يُقَالُ لَهُمْ وَقْتَ عَذَابِهِمْ بِالنَّارِ وَفِتْنَتِهِمْ بِهَا: {ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ} [الذاريات: ١٤] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَكْذِيبَكُمْ.

وَحَقِيقَتُهُ ذُوقُوا نِهَايَةَ فِتْنَتِكُمْ، وَغَايَتَهَا، وَمَصِيرَ أَمْرِهَا، كَقَوْلِهِ: {ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ} [الزمر: ٢٤] [الزُّمَرِ: ٢٤] ، وَكَمَا فَتَنُوا عِبَادَهُ عَلَى الشِّرْكِ، فُتِنُوا عَلَى النَّارِ، وَقِيلَ لَهُمْ: ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا} [البروج: ١٠] [الْبُرُوجِ: ١٠] ، فُسِّرَتِ الْفِتْنَةُ هَاهُنَا بِتَعْذِيبِهِمُ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِحْرَاقِهِمْ إِيَّاهُمْ بِالنَّارِ، وَاللَّفْظُ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ، وَحَقِيقَتُهُ:

<<  <  ج: ص:  >  >>