للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَرَهُمْ بِجَوَابِهِ عِنْدَ افْتِخَارِهِ بِآلِهَتِهِ، وَبِشِرْكِهِ تَعْظِيمًا لِلتَّوْحِيدِ، وَإِعْلَامًا بِعِزَّةِ مَنْ عَبَدَهُ الْمُسْلِمُونَ، وَقُوَّةِ جَانِبِهِ، وَأَنَّهُ لَا يُغْلَبُ، وَنَحْنُ حِزْبُهُ وَجُنْدُهُ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ بِإِجَابَتِهِ حِينَ قَالَ: أَفِيكُمْ مُحَمَّدٌ؟ أَفِيكُمُ ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ؟ أَفِيكُمْ عمر؟ بَلْ قَدْ رُوِيَ أَنَّهُ نَهَاهُمْ عَنْ إِجَابَتِهِ، وَقَالَ: لَا تُجِيبُوهُ، لِأَنَّ كَلْمَهُمْ لَمْ يَكُنْ بَرَدَ بَعْدُ فِي طَلَبِ الْقَوْمِ، وَنَارُ غَيْظِهِمْ بَعْدُ مُتَوَقِّدَةٌ، فَلَمَّا قَالَ لِأَصْحَابِهِ: أَمَّا هَؤُلَاءِ فَقَدْ كُفِيتُمُوهُمْ، حَمِيَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَاشْتَدَّ غَضَبُهُ، وَقَالَ: كَذَبْتَ يَا عَدُوَّ اللَّهِ، فَكَانَ فِي هَذَا الْإِعْلَامِ مِنَ الْإِذْلَالِ، وَالشَّجَاعَةِ، وَعَدَمِ الْجُبْنِ وَالتَّعَرُّفِ إِلَى الْعَدُوِّ فِي تِلْكَ الْحَالِ مَا يُؤْذِنُهُمْ بِقُوَّةِ الْقَوْمِ وَبَسَالَتِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَهِنُوا وَلَمْ يَضْعُفُوا، وَأَنَّهُ وَقَوْمَهُ جَدِيرُونَ بِعَدَمِ الْخَوْفِ مِنْهُمْ، وَقَدْ أَبْقَى اللَّهُ لَهُمْ مَا يَسُوءُهُمْ مِنْهُمْ، وَكَانَ فِي الْإِعْلَامِ بِبَقَاءِ هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ وَهْلَةٌ بَعْدَ ظَنِّهِ وَظَنِّ قَوْمِهِ أَنَّهُمْ قَدْ أُصِيبُوا، مِنَ الْمَصْلَحَةِ، وَغَيْظِ الْعَدُوِّ وَحِزْبِهِ، وَالْفَتِّ فِي عَضُدِهِ مَا لَيْسَ فِي جَوَابِهِ حِينَ سَأَلَ عَنْهُمْ وَاحِدًا وَاحِدًا، فَكَانَ سُؤَالُهُ عَنْهُمْ، وَنَعْيُهُمْ لِقَوْمِهِ آخِرَ سِهَامِ الْعَدُوِّ وَكَيْدِهِ، فَصَبَرَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى اسْتَوْفَى كَيْدَهُ، ثُمَّ انْتُدِبَ لَهُ عمر، فَرَدَّ سِهَامَ كَيْدِهِ عَلَيْهِ، وَكَانَ تَرْكُ الْجَوَابِ أَوَّلًا عَلَيْهِ أَحْسَنَ، وَذِكْرُهُ ثَانِيًا أَحْسَنَ، وَأَيْضًا فَإِنَّ فِي تَرْكِ إِجَابَتِهِ حِينَ سَأَلَ عَنْهُمْ إِهَانَةً لَهُ، وَتَصْغِيرًا لِشَأْنِهِ، فَلَمَّا مَنَّتْهُ نَفْسُهُ مَوْتَهُمْ، وَظَنَّ أَنَّهُمْ قَدْ قُتِلُوا، وَحَصَلَ لَهُ بِذَلِكَ مِنَ الْكِبْرِ وَالْأَشَرِ مَا حَصَلَ، كَانَ فِي جَوَابِهِ إِهَانَةٌ لَهُ، وَتَحْقِيرٌ، وَإِذْلَالٌ، وَلَمْ يَكُنْ هَذَا مُخَالِفًا، لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَا تُجِيبُوهُ) فَإِنَّهُ إِنَّمَا نَهَى عَنْ إِجَابَتِهِ حِينَ سَأَلَ: أَفِيكُمْ مُحَمَّدٌ؟ أَفِيكُمْ فُلَانٌ؟ أَفِيكُمْ فُلَانٌ؟ وَلَمْ يَنْهَ عَنْ إِجَابَتِهِ حِينَ قَالَ: أَمَّا هَؤُلَاءِ، فَقَدْ قُتِلُوا. وَبِكُلِّ حَالٍ، فَلَا أَحْسَنَ مِنْ تَرْكِ إِجَابَتِهِ أَوَّلًا، وَلَا أَحْسَنَ مِنْ إِجَابَتِهِ ثَانِيًا.

ثُمَّ قَالَ أبو سفيان: يَوْمٌ بِيَوْمِ بَدْرٍ، وَالْحَرْبُ سِجَالٌ، فَأَجَابَهُ عمر، فَقَالَ: (لَا سَوَاءً، قَتْلَانَا فِي الْجَنَّةِ، وَقَتْلَاكُمْ فِي النَّارِ) .

<<  <  ج: ص:  >  >>