فَاسْتَنْفَرَ بَنِي سُلَيْمٍ، فَأَجَابَتْهُ عُصَيَّةُ وَرِعْلٌ وَذَكْوَانُ، فَجَاءُوا حَتَّى أَحَاطُوا بِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَاتَلُوا حَتَّى قُتِلُوا عَنْ آخِرِهِمْ إلَّا كعب بن زيد بن النجار، فَإِنَّهُ ارْتُثَّ بَيْنَ الْقَتْلَى، فَعَاشَ حَتَى قُتِلَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ، وَكَانَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، والمنذر بن عقبة بن عامر فِي سَرْحِ الْمُسْلِمِينَ، فَرَأَيَا الطَّيْرَ تَحُومُ عَلَى مَوْضِعِ الْوَقْعَةِ، فَنَزَلَ المنذر بن محمد، فَقَاتَلَ الْمُشْرِكِينَ حَتَّى قُتِلَ مَعَ أَصْحَابِهِ، وَأُسِرَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ، فَلَمَّا أَخْبَرَ أَنَّهُ مِنْ مُضَرَ جَزَّ عَامِرٌ نَاصِيَتَهُ وَأَعْتَقَهُ عَنْ رَقَبَةٍ كَانَتْ عَلَى أُمِّهِ، وَرَجَعَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ، فَلَمَّا كَانَ بِالْقَرْقَرَةِ مِنْ صَدْرِ قَنَاةٍ نَزَلَ فِي ظِلِّ شَجَرَةٍ، وَجَاءَ رَجُلَانِ مِنْ بَنِي كِلَابٍ فَنَزَلَا مَعَهُ، فَلَمَّا نَامَا، فَتَكَ بِهِمَا عمرو وَهُوَ يَرَى أَنَّهُ قَدْ أَصَابَ ثَأْرًا مِنْ أَصْحَابِهِ، وَإِذَا مَعَهُمَا عَهْدٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَشْعُرْ بِهِ، فَلَمَّا قَدِمَ أَخْبَرَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا فَعَلَ فَقَالَ: ( «لَقَدْ قَتَلْتَ قَتِيلَيْنِ لَأَدِيَنَّهُمَا» )
فَكَانَ هَذَا سَبَبُ غَزْوَةِ بَنِي النَّضِيرِ، فَإِنَّهُ خَرَجَ إلَيْهِمْ لِيُعِينُوهُ فِي دِيَتِهِمَا لِمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ مِنَ الْحِلْفِ، فَقَالُوا: نَعَمْ، وَجَلَسَ هُوَ وأبو بكر وعمر وعلي، وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ، فَاجْتَمَعَ الْيَهُودُ وَتَشَاوَرُوا وَقَالُوا: مَنْ رَجُلٌ يُلْقِي عَلَى مُحَمَّدٍ هَذِهِ الرَّحَى فَيَقْتُلَهُ؟ فَانْبَعَثَ أَشْقَاهَا عمرو بن جحاش، لَعَنَهُ اللَّهُ، وَنَزَلَ جِبْرِيلُ مِنْ عِنْدِ رَبِّ الْعَالَمِينَ عَلَى رَسُولِهِ يُعْلِمُهُ بِمَا هَمُّوا بِهِ، فَنَهَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ وَقْتِهِ رَاجِعًا إِلَى الْمَدِينَةِ، ثُمَّ تَجَهَّزَ وَخَرَجَ بِنَفْسِهِ لِحَرْبِهِمْ، فَحَاصَرَهُمْ سِتَّ لَيَالٍ، وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ، وَذَلِكَ فِي رَبِيعٍ الْأُولَى.
قَالَ ابْنُ حَزْمٍ: وَحِينَئِذٍ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ، وَنَزَلُوا عَلَى أَنَّ لَهُمْ مَا حَمَلَتْ إبِلُهُمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute