يَصِلَ إِلَى مَحَلِّهِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: ٢٥] [الْفَتْحُ: ٢٥] .
وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَوْضِعَ الَّذِي نَحَرَ فِيهِ الْهَدْيَ كَانَ مِنَ الْحِلِّ، لَا مِنَ الْحَرَمِ؛ لِأَنَّ الْحَرَمَ كُلَّهُ مَحِلُّ الْهَدْيِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْمُحْصَرَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُمْ بِالْحَلْقِ وَالنَّحْرِ، وَلَمْ يَأْمُرْ أَحَدًا مِنْهُمْ بِالْقَضَاءِ، وَالْعُمْرَةُ مِنَ الْعَامِ الْقَابِلِ لَمْ تَكُنْ وَاجِبَةً، وَلَا قَضَاءً عَنْ عُمْرَةِ الْإِحْصَارِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا فِي عُمْرَةِ الْإِحْصَارِ أَلْفًا وَأَرْبَعَمِائَةٍ، وَكَانُوا فِي عُمْرَةِ الْقَضِيَّةِ دُونَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ وَالْقَضَاءِ لِأَنَّهَا الْعُمْرَةُ الَّتِي قَاضَاهُمْ عَلَيْهَا، فَأُضِيفَتِ الْعُمْرَةُ إِلَى مَصْدَرِ فِعْلِهِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْأَمْرَ الْمُطْلَقَ عَلَى الْفَوْرِ وَإِلَّا لَمْ يَغْضَبْ لِتَأْخِيرِهِمُ الِامْتِثَالَ عَنْ وَقْتِ الْأَمْرِ، وَقَدِ اعْتُذِرَ عَنْ تَأْخِيرِهِمُ الِامْتِثَالَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَرْجُونَ النَّسْخَ، فَأَخَّرُوا مُتَأَوِّلِينَ لِذَلِكَ، وَهَذَا الِاعْتِذَارُ أَوْلَى أَنْ يُعْتَذَرَ عَنْهُ، وَهُوَ بَاطِلٌ؛ فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَوْ فَهِمَ مِنْهُمْ ذَلِكَ لَمْ يَشْتَدَّ غَضَبُهُ لِتَأْخِيرِ أَمْرِهِ، وَيَقُولُ: ( «مَا لِي لَا أَغْضَبُ وَأَنَا آمُرُ بِالْأَمْرِ فَلَا أُتَّبَعُ» ) وَإِنَّمَا كَانَ تَأْخِيرُهُمْ مِنَ السَّعْيِ الْمَغْفُورِ لَا الْمَشْكُورِ، وَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَغَفَرَ لَهُمْ وَأَوْجَبَ لَهُمُ الْجَنَّةَ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْأَصْلَ مُشَارَكَةُ أُمَّتِهِ لَهُ فِي الْأَحْكَامِ، إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ، وَلِذَلِكَ قَالَتْ أم سلمة: ( «اخْرُجْ وَلَا تُكَلِّمْ أَحَدًا حَتَّى تَحْلِقَ رَأْسَكَ وَتَنْحَرَ هَدْيَكَ» ) ، وَعَلِمَتْ أَنَّ النَّاسَ سَيُتَابِعُونَهُ.
فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ فَعَلُوا ذَلِكَ اقْتِدَاءً بِفِعْلِهِ وَلَمْ يَمْتَثِلُوهُ حِينَ أَمَرَهُمْ بِهِ؟ قِيلَ: هَذَا هُوَ السَّبَبُ الَّذِي لِأَجْلِهِ ظَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّهُمْ أَخَّرُوا الِامْتِثَالَ طَمَعًا فِي النَّسْخِ، فَلَمَّا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَلِكَ عَلِمُوا حِينَئِذٍ أَنَّهُ حُكْمٌ مُسْتَقِرٌّ غَيْرُ مَنْسُوخٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فَسَادُ هَذَا الظَّنِّ، وَلَكِنْ لَمَّا تَغَيَّظَ عَلَيْهِمْ وَخَرَجَ وَلَمْ يُكَلِّمْهُمْ وَأَرَاهُمْ أَنَّهُ بَادَرَ إِلَى امْتِثَالِ مَا أُمِرَ بِهِ، وَأَنَّهُ لَمْ يُؤَخِّرْ كَتَأْخِيرِهِمْ، وَأَنَّ اتِّبَاعَهُمْ لَهُ وَطَاعَتَهُمْ تُوجِبُ اقْتِدَاءَهُمْ بِهِ، بَادَرُوا حِينَئِذٍ إِلَى الِاقْتِدَاءِ بِهِ وَامْتِثَالِ أَمْرِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute