للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَا سَأَلُوهُ مِنَ الشُّرُوطِ الَّتِي لَمْ يَحْتَمِلْهَا أَكْثَرُ أَصْحَابِهِ وَرُءُوسُهُمْ، وَهُوَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْلَمُ مَا فِي ضِمْنِ هَذَا الْمَكْرُوهِ مِنْ مَحْبُوبٍ {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: ٢١٦] [الْبَقَرَةُ ٢١٦] .

وَرُبَّمَا كَانَ مَكْرُوهُ النُّفُوسِ إِلَى ... مَحْبُوبِهَا سَبَبًا مَا مِثْلُهُ سَبَبُ

فَكَانَ يَدْخُلُ عَلَى تِلْكَ الشُّرُوطِ دُخُولَ وَاثِقٍ بِنَصْرِ اللَّهِ لَهُ وَتَأْيِيدِهِ، وَأَنَّ الْعَاقِبَةَ لَهُ، وَأَنَّ تِلْكَ الشُّرُوطَ وَاحْتِمَالَهَا هُوَ عَيْنُ النُّصْرَةِ، وَهُوَ مِنْ أَكْبَرِ الْجُنْدِ الَّذِي أَقَامَهُ الْمُشْتَرِطُونَ وَنَصَبُوهُ لِحَرْبِهِمْ وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ، فَذَلُّوا مِنْ حَيْثُ طَلَبُوا الْعِزَّ، وَقُهِرُوا مِنْ حَيْثُ أَظْهَرُوا الْقُدْرَةَ وَالْفَخْرَ وَالْغَلَبَةَ، وَعَزَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَسَاكِرُ الْإِسْلَامِ مِنْ حَيْثُ انْكَسَرُوا لِلَّهِ وَاحْتَمَلُوا الضَّيْمَ لَهُ وَفِيهِ، فَدَارَ الدَّوْرُ وَانْعَكَسَ الْأَمْرُ وَانْقَلَبَ الْعِزُّ بِالْبَاطِلِ ذُلًّا بِحَقٍّ، وَانْقَلَبَتِ الْكَسْرَةُ لِلَّهِ عِزًّا بِاللَّهِ، وَظَهَرَتْ حِكْمَةُ اللَّهِ وَآيَاتُهُ وَتَصْدِيقُ وَعْدِهِ وَنُصْرَةُ رَسُولِهِ عَلَى أَتَمِّ الْوُجُوهِ وَأَكْمَلِهَا الَّتِي لَا اقْتِرَاحَ لِلْعُقُولِ وَرَاءَهَا.

وَمِنْهَا: مَا سَبَّبَهُ سُبْحَانَهُ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنْ زِيَادَةِ الْإِيمَانِ وَالْإِذْعَانِ وَالِانْقِيَادِ عَلَى مَا أَحَبُّوا وَكَرِهُوا، وَمَا حَصَلَ لَهُمْ فِي ذَلِكَ مِنَ الرِّضَى بِقَضَاءِ اللَّهِ وَتَصْدِيقِ مَوْعُودِهِ، وَانْتِظَارِ مَا وُعِدُوا بِهِ، وَشُهُودِ مِنَّةِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ عَلَيْهِمْ بِالسَّكِينَةِ الَّتِي أَنْزَلَهَا فِي قُلُوبِهِمْ أَحْوَجَ مَا كَانُوا إِلَيْهَا فِي تِلْكَ الْحَالِ الَّتِي تُزَعْزَعُ لَهَا الْجِبَالُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سَكِينَتِهِ مَا اطْمَأَنَّتْ بِهِ قُلُوبُهُمْ وَقَوِيَتْ بِهِ نُفُوسُهُمْ وَازْدَادُوا بِهِ إِيمَانًا.

وَمِنْهَا: أَنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ هَذَا الْحُكْمَ الَّذِي حَكَمَ بِهِ لِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ سَبَبًا لِمَا ذَكَرَهُ مِنَ الْمَغْفِرَةِ لِرَسُولِهِ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ، وَلِإِتْمَامِ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ، وَلِهِدَايَتِهِ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، وَنَصْرِهِ النَّصْرَ الْعَزِيزَ، وَرِضَاهُ بِهِ، وَدُخُولِهِ تَحْتَهُ، وَانْشِرَاحِ صَدْرِهِ بِهِ، مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الضَّيْمِ وَإِعْطَاءِ مَا سَأَلُوهُ، كَانَ مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي نَالَ بِهَا الرَّسُولُ وَأَصْحَابُهُ ذَلِكَ، وَلِهَذَا ذَكَرَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ جَزَاءً وَغَايَةً، وَإِنَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ عَلَى فِعْلٍ قَامَ بِالرَّسُولِ وَالْمُؤْمِنِينَ عِنْدَ حُكْمِهِ تَعَالَى وَفَتْحِهِ.

وَتَأَمَّلْ كَيْفَ وَصَفَ - سُبْحَانَهُ - النَّصْرَ بِأَنَّهُ عَزِيزٌ فِي هَذَا الْمَوْطِنِ ثُمَّ ذَكَرَ

<<  <  ج: ص:  >  >>