فَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» ".
فَتَجَهَّزَ النَّاسُ وَهُمْ ثَلَاثَةُ آلَافٍ، فَلَمَّا حَضَرَ خُرُوجُهُمْ، وَدَّعَ النَّاسُ أُمَرَاءَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسَلَّمُوا عَلَيْهِمْ، فَبَكَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، فَقَالُوا: مَا يُبْكِيكَ؟ فَقَالَ: أَمَا وَاللَّهِ مَا بِي حُبُّ الدُّنْيَا وَلَا صَبَابَةٌ بِكُمْ، وَلَكِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ يَذْكُرُ فِيهَا النَّارَ {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا} [مريم: ٧١] [مَرْيَمَ: ٧١] ، فَلَسْتُ أَدْرِي كَيْفَ لِي بِالصَّدَرِ بَعْدَ الْوُرُودِ؟ فَقَالَ الْمُسْلِمُونَ: صَحِبَكُمُ اللَّهُ بِالسَّلَامَةِ، وَدَفَعَ عَنْكُمْ وَرَدَّكُمْ إِلَيْنَا صَالِحِينَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ:
لَكِنَّنِي أَسْأَلُ الرَّحْمَنَ مَغْفِرَةً ... وَضَرْبَةً ذَاتَ فَرْغٍ تَقْذِفُ الزَّبَدَا
أَوْ طَعْنَةً بِيَدَيْ حَرَّانَ مُجْهِزَةً ... بِحَرْبَةٍ تُنْفِذُ الْأَحْشَاءَ وَالْكَبِدَا
حَتَّى يُقَالَ إِذَا مَرُّوا عَلَى جَدَثِي ... يَا أَرْشَدَ اللَّهُ مِنْ غَازٍ وَقَدْ رَشَدَا
ثُمَّ مَضَوْا حَتَّى نَزَلُوا مَعَانَ، فَبَلَغَ النَّاسَ أَنَّ هرقل بِالْبَلْقَاءِ فِي مِائَةِ أَلْفٍ مِنَ الرُّومِ، وَانْضَمَّ إِلَيْهِمْ مِنْ لَخْمٍ، وَجُذَامَ، وَبَلْقَيْنِ، وَبَهْرَاءَ، وَبَلِيٍّ، مِائَةُ أَلْفٍ، فَلَمَّا بَلَغَ ذَلِكَ الْمُسْلِمِينَ، أَقَامُوا عَلَى مَعَانَ لَيْلَتَيْنِ يَنْظُرُونَ فِي أَمْرِهِمْ، وَقَالُوا: نَكْتُبُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنُخْبِرُهُ بِعَدَدِ عَدُوِّنَا فَإِمَّا أَنْ يُمِدَّنَا بِالرِّجَالِ، وَإِمَّا أَنْ يَأْمُرَنَا بِأَمْرِهِ فَنَمْضِيَ لَهُ، فَشَجَّعَ النَّاسَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَقَالَ: يَا قَوْمِ: وَاللَّهِ إِنَّ الَّذِي تَكْرَهُونَ لَلَّتِي خَرَجْتُمْ تَطْلُبُونَ: الشَّهَادَةُ، وَمَا نُقَاتِلُ النَّاسَ بِعَدَدٍ وَلَا قُوَّةٍ وَلَا كَثْرَةٍ، مَا نُقَاتِلُهُمْ إِلَّا بِهَذَا الدِّينِ الَّذِي أَكْرَمَنَا بِهِ اللَّهُ، فَانْطَلِقُوا فَإِنَّمَا هِيَ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ إِمَّا ظَفَرٌ وَإِمَّا شَهَادَةٌ.
فَمَضَى النَّاسُ حَتَّى إِذَا كَانُوا بِتُخُومِ الْبَلْقَاءِ، لَقِيَتْهُمُ الْجُمُوعُ بِقَرْيَةٍ يُقَالُ لَهَا:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute