تَعَالَى: {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: ١٩٦] [الْبَقَرَةِ: ١٩٦] ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهِ حُضُورَ نَفْسِ مَوْضِعِ الصَّلَاةِ اتِّفَاقًا، وَإِنَّمَا هُوَ حُضُورُ الْحَرَمِ وَالْقُرْبُ مِنْهُ، وَسِيَاقُ آيَةِ الْحَجِّ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ قَالَ: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الحج: ٢٥] وَهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِمَقَامِ الصَّلَاةِ قَطْعًا، بَلِ الْمُرَادُ بِهِ الْحَرَمُ كُلُّهُ، فَالَّذِي جَعَلَهُ لِلنَّاسِ سَوَاءً الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ هُوَ الَّذِي تَوَعَّدَ مَنْ صَدَّ عَنْهُ، وَمَنْ أَرَادَ الْإِلْحَادَ بِالظُّلْمِ فِيهِ، فَالْحَرَمُ وَمَشَاعِرُهُ كَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَالْمَسْعَى وَمِنًى، وَعَرَفَةَ، وَمُزْدَلِفَةَ، لَا يَخْتَصَّ بِهَا أَحَدٌ دُونَ أَحَدٍ، بَلْ هِيَ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ النَّاسِ، إِذْ هِيَ مَحَلُّ نُسُكِهِمْ وَمُتَعَبَّدِهِمْ فَهِيَ مَسْجِدٌ مِنَ اللَّهِ، وَقَفَهُ وَوَضَعَهُ لِخَلْقِهِ، وَلِهَذَا امْتَنَعَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يُبْنَى لَهُ بَيْتٌ بِمِنًى، يُظِلُّهُ مِنَ الْحَرِّ، وَقَالَ: ( «مِنًى مُنَاخُ مَنْ سَبَقَ» ) .
وَلِهَذَا ذَهَبَ جُمْهُورُ الْأَئِمَّةِ مِنَ السَّلَفِ وَالْخَلَفِ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ أَرَاضِي مَكَّةَ، وَلَا إِجَارَةُ بُيُوتِهَا، هَذَا مَذْهَبُ مجاهد وعطاء فِي أَهْلِ مَكَّةَ، ومالك فِي أَهْلِ الْمَدِينَةِ، وأبي حنيفة فِي أَهْلِ الْعِرَاقِ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَالْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهَوَيْهِ.
وَرَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ رَحِمَهُ اللَّهُ، عَنْ علقمة بن نضلة، قَالَ: ( «كَانَتْ رِبَاعُ مَكَّةَ تُدْعَى السَّوَائِبَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وعمر، مَنِ احْتَاجَ سَكَنَ، وَمَنِ اسْتَغْنَى أَسْكَنَ» ) .
وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عبد الله بن عمر: ( «مَنْ أَكَلَ أُجُورَ بُيُوتِ مَكَّةَ، فَإِنَّمَا يَأْكُلُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» ، رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مَرْفُوعًا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفِيهِ ( «إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ، فَحَرَامٌ بَيْعُ رِبَاعِهَا وَأَكْلُ ثَمَنِهَا» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute