مُدَّتِهِ، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ عَهْدٌ، فَأَجَلُهُ إِلَى أَرْبَعِ أَشْهُرٍ) » .
وَفِي " الصَّحِيحَيْنِ ": عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ( «بَعَثَنِي أبو بكر فِي تِلْكَ الْحَجَّةِ فِي مُؤَذِّنَيْنِ بَعَثَهُمْ يَوْمَ النَّحْرِ يُؤَذِّنُونَ بِمِنًى: أَلَّا يَحُجَّ بَعْدَ هَذَا الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ، ثُمَّ أَرْدَفَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أبا بكر بِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، فَأَمَرَهُ أَنْ يُؤَذِّنَ بِبَرَاءَةٌ، قَالَ: فَأَذَّنَ مَعَنَا عَلِيٌّ فِي أَهْلِ مِنًى يَوْمَ النَّحْرِ بِبَرَاءَةٌ، وَأَلَّا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ، وَلَا يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانٌ» ) .
وَفِي هَذِهِ الْقِصَّةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يَوْمُ النَّحْرِ، وَاخْتُلِفَ فِي حَجَّةِ الصِّدِّيقِ هَذِهِ، هَلْ هِيَ الَّتِي أَسْقَطَتِ الْفَرْضَ، أَوِ الْمُسْقِطَةُ هِيَ حَجَّةُ الْوَدَاعِ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَصَحُّهُمَا: الثَّانِي، وَالْقَوْلَانِ مَبْنِيَّانِ عَلَى أَصْلَيْنِ، أَحَدُهُمَا: هَلْ كَانَ الْحَجُّ فُرِضَ قَبْلَ عَامِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ أَوْ لَا؟ وَالثَّانِي: هَلْ كَانَتْ حَجَّةُ الصِّدِّيقِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي ذِي الْحَجَّةِ، أَوْ وَقَعَتْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ مِنْ أَجْلِ النَّسِيءِ الَّذِي كَانَ الْجَاهِلِيَّةُ يُؤَخِّرُونَ لَهُ الْأَشْهُرَ وَيُقَدِّمُونَهَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَالثَّانِي: قَوْلُ مجاهد وَغَيْرِهِ.
وَعَلَى هَذَا فَلَمْ يُؤَخِّرِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحَجَّ بَعْدَ فَرْضِهِ عَامًا وَاحِدًا، بَلْ بَادَرَ إِلَى الِامْتِثَالِ فِي الْعَامِ الَّذِي فُرِضَ فِيهِ، وَهَذَا هُوَ اللَّائِقُ بِهَدْيِهِ وَحَالِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ بِيَدِ مَنِ ادَّعَى تَقَدُّمَ فَرْضِ الْحَجِّ سَنَةَ سِتٍّ أَوْ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ أَوْ تِسْعٍ دَلِيلٌ وَاحِدٌ. وَغَايَةُ مَا احْتَجَّ بِهِ مَنْ قَالَ: فُرِضَ سَنَةَ سِتٍّ، قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] [الْبَقَرَةِ: ١٩٦] ، وَهِيَ قَدْ نَزَلَتْ بِالْحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ سِتٍّ، وَهَذَا لَيْسَ فِيهِ ابْتِدَاءُ فَرْضِ الْحَجِّ، وَإِنَّمَا فِيهِ الْأَمْرُ بِإِتْمَامِهِ إِذَا شُرِعَ فِيهِ، فَأَيْنَ هَذَا مِنْ وُجُوبِ ابْتِدَائِهِ، وَآيَةُ فَرْضِ الْحَجِّ، وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ} [آل عمران: ٩٧]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute