للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الْوَفْدُ وَقَصَدُوا اللَّاتَ، وَنَزَلُوا عِنْدَهَا - وَاللَّاتُ وَثَنٌ كَانَ بَيْنَ ظَهْرَانَيِ الطَّائِفِ، يُسْتَرُ وَيُهْدَى لَهُ الْهَدْيُ كَمَا يُهْدَى لِبَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ - فَقَالَ نَاسٌ مِنْ ثَقِيفٍ حِينَ نَزَلَ الْوَفْدُ إِلَيْهَا: إِنَّهُمْ لَا عَهْدَ لَهُمْ بِرُؤْيَتِهَا، ثُمَّ رَجَعَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَى أَهْلِهِ، وَجَاءَ كُلًّا مِنْهُمْ خَاصَّتُهُ مِنْ ثَقِيفٍ فَسَأَلُوهُمْ مَاذَا جِئْتُمْ بِهِ وَمَاذَا رَجَعْتُمْ بِهِ؟ قَالُوا: أَتَيْنَا رَجُلًا فَظًّا غَلِيظًا يَأْخُذُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ قَدْ ظَهَرَ بِالسَّيْفِ، وَدَاخَ لَهُ الْعَرَبُ، وَدَانَ لَهُ النَّاسُ، فَعَرَضَ عَلَيْنَا أُمُورًا شِدَادًا: هَدْمَ اللَّاتِ وَالْعُزَّى، وَتَرْكَ الْأَمْوَالِ فِي الرِّبَا إِلَّا رُءُوسَ أَمْوَالِكُمْ، وَحَرَّمَ الْخَمْرَ وَالزِّنَى، فَقَالَتْ ثَقِيفٌ: وَاللَّهِ لَا نَقْبَلُ هَذَا أَبَدًا.

فَقَالَ الْوَفْدُ: أَصْلِحُوا السِّلَاحَ وَتَهَيَّئُوا لِلْقِتَالِ، وَتَعَبَّئُوا لَهُ وَرُمُّوا حِصْنَكُمْ. فَمَكَثَتْ ثَقِيفٌ بِذَلِكَ يَوْمَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً يُرِيدُونَ الْقِتَالَ، ثُمَّ أَلْقَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ، وَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا لَنَا بِهِ طَاقَةٌ، وَقَدْ دَاخَ لَهُ الْعَرَبُ كُلُّهَا، فَارْجِعُوا إِلَيْهِ فَأَعْطُوهُ مَا سَأَلَ وَصَالِحُوهُ عَلَيْهِ.

فَلَمَّا رَأَى الْوَفْدُ أَنَّهُمْ قَدْ رَغِبُوا وَاخْتَارُوا الْأَمَانَ عَلَى الْخَوْفِ وَالْحَرْبِ، قَالَ الْوَفْدُ: فَإِنَّا قَدْ قَاضَيْنَاهُ وَأَعْطَيْنَاهُ مَا أَحْبَبْنَا، وَشَرَطْنَا مَا أَرَدْنَا، وَوَجَدْنَاهُ أَتْقَى النَّاسِ وَأَوْفَاهُمْ، وَأَرْحَمَهُمْ وَأَصْدَقَهُمْ، وَقَدْ بُورِكَ لَنَا وَلَكُمْ فِي مَسِيرِنَا إِلَيْهِ، وَفِيمَا قَاضَيْنَاهُ عَلَيْهِ، فَاقْبَلُوا عَافِيَةَ اللَّهِ، فَقَالَتْ ثَقِيفٌ: فَلِمَ كَتَمْتُمُونَا هَذَا الْحَدِيثَ، وَغَمَمْتُمُونَا أَشَدَّ الْغَمِّ؟ قَالُوا: أَرَدْنَا أَنْ يَنْزِعَ اللَّهُ مِنْ قُلُوبِكُمْ نَخْوَةَ الشَّيْطَانِ، فَأَسْلَمُوا مَكَانَهُمْ وَمَكَثُوا أَيَّامًا.

ثُمَّ قَدِمَ عَلَيْهِمْ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ أَمَّرَ عَلَيْهِمْ خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَفِيهِمُ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ، فَلَمَّا قَدِمُوا عَمَدُوا إِلَى اللَّاتِ لِيَهْدِمُوهَا، وَاسْتَكَفَّتْ ثَقِيفٌ كُلُّهَا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ وَالصِّبْيَانُ، حَتَّى خَرَجَ الْعَوَاتِقُ مِنَ الْحِجَالِ لَا تَرَى عَامَّةُ ثَقِيفٍ أَنَّهَا مَهْدُومَةٌ يَظُنُّونَ أَنَّهَا مُمْتَنِعَةٌ، فَقَامَ الْمُغِيرَةُ بْنُ شُعْبَةَ فَأَخَذَ الْكِرْزَيْنِ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: وَاللَّهِ لَأُضْحِكَنَّكُمْ مِنْ ثَقِيفٍ، فَضَرَبَ بِالْكِرْزَيْنِ ثُمَّ سَقَطَ يَرْكُضُ، فَارْتَجَّ أَهْلُ الطَّائِفِ بِضَجَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَقَالُوا: أَبْعَدَ اللَّهُ المغيرة قَتَلَتْهُ الرَّبَّةُ، وَفَرِحُوا حِينَ رَأَوْهُ سَاقِطًا، وَقَالُوا: مَنْ شَاءَ مِنْكُمْ فَلْيَقْرَبْ وَلْيَجْتَهِدْ عَلَى هَدْمِهَا، فَوَاللَّهِ لَا تُسْتَطَاعُ،

<<  <  ج: ص:  >  >>