كُنْتُ بِثَنِيَّةٍ تُطْلِعُنِي عَلَى الْحَاضِرِ، وَقَعَ نُورٌ بَيْنَ عَيْنَيَّ مِثْلُ الْمِصْبَاحِ، قُلْتُ: اللَّهُمَّ فِي غَيْرِ وَجْهِي إِنِّي أَخْشَى أَنْ يَظُنُّوا أَنَّهَا مُثْلَةٌ وَقَعَتْ فِي وَجْهِي لِفِرَاقِي دِينِهِمْ، قَالَ: فَتَحَوَّلَ فَوَقَعَ فِي رَأْسِ سَوْطِي كَالْقِنْدِيلِ الْمُعَلَّقِ، وَأَنَا أَنْهَبِطُ إِلَيْهِمْ مِنَ الثَّنِيَّةِ حَتَّى جِئْتُهُمْ، وَأَصْبَحْتُ فِيهِمْ، فَلَمَّا نَزَلْتُ، أَتَانِي أَبِي، وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا، فَقُلْتُ: إِلَيْكَ عَنِّي يَا أَبَتِ، فَلَسْتَ مِنِّي، وَلَسْتُ مِنْكَ، قَالَ: لِمَ يَا بُنَيَّ؟ قُلْتُ: قَدْ أَسْلَمْتُ وَتَابَعْتُ دِينَ مُحَمَّدٍ. قَالَ: يَا بُنَيَّ فَدِينِي دِينُكَ. قَالَ فَقُلْتُ: اذْهَبْ فَاغْتَسِلْ وَطَهِّرْ ثِيَابَكَ، ثُمَّ تَعَالَ حَتَّى أُعَلِّمَكَ مَا عَلِمْتُ.
قَالَ: فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ وَطَهَّرَ ثِيَابَهُ، ثُمَّ جَاءَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ الْإِسْلَامَ، فَأَسْلَمَ ثُمَّ أَتَتْنِي صَاحِبَتِي، فَقُلْتُ لَهَا: إِلَيْكِ عَنِّي فَلَسْتُ مِنْكِ وَلَسْتِ مِنِّي. قَالَتْ: لِمَ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي؟ قُلْتُ فَرَّقَ الْإِسْلَامُ بَيْنِي وَبَيْنَكِ، أَسْلَمْتُ وَتَابَعْتُ دِينَ مُحَمَّدٍ. قَالَتْ: فَدِينِي دِينُكَ. قَالَ: قُلْتُ: فَاذْهَبِي فَاغْتَسِلِي، فَفَعَلَتْ ثُمَّ جَاءَتْ فَعَرَضْتُ عَلَيْهَا الْإِسْلَامَ فَأَسْلَمَتْ، ثُمَّ دَعَوْتُ دَوْسًا إِلَى الْإِسْلَامِ، فَأَبْطَئُوا عَلَيَّ، فَجِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقُلْتُ: ( «يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّهُ قَدْ غَلَبَنِي عَلَى دَوْسٍ الزِّنَى، فَادْعُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ، فَقَالَ: " اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا "، ثُمَّ قَالَ: " ارْجِعْ إِلَى قَوْمِكَ فَادْعُهُمْ إِلَى اللَّهِ، وَارْفُقْ بِهِمْ» "، فَرَجَعْتُ إِلَيْهِمْ، فَلَمْ أَزَلْ بِأَرْضِ دَوْسٍ أَدْعُوهُمْ إِلَى اللَّهِ، ثُمَّ قَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ، فَنَزَلْتُ الْمَدِينَةَ بِسَبْعِينَ أَوْ ثَمَانِينَ بَيْتًا مِنْ دَوْسٍ، ثُمَّ لَحِقْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِخَيْبَرَ، فَأَسْهَمَ لَنَا مَعَ الْمُسْلِمِينَ) .
قَالَ ابْنُ إِسْحَاقَ: فَلَمَّا قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَارْتَدَّتِ الْعَرَبُ، خَرَجَ الطفيل مَعَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى فَرَغُوا مِنْ طليحة، ثُمَّ سَارَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى الْيَمَامَةِ وَمَعَهُ ابْنُهُ عمرو بن الطفيل، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ رُؤْيَا، فَاعْبُرُوهَا لِي: رَأَيْتُ أَنَّ رَأْسِي قَدْ حُلِقَ، وَأَنَّهُ قَدْ خَرَجَ مِنْ فَمِي طَائِرٌ، وَأَنَّ امْرَأَةً لَقِيَتْنِي، فَأَدْخَلَتْنِي فِي فَرْجِهَا، وَرَأَيْتُ أَنَّ ابْنِي يَطْلُبُنِي طَلَبًا حَثِيثًا، ثُمَّ رَأَيْتُهُ حُبِسَ عَنِّي. قَالُوا: خَيْرًا رَأَيْتَ.
قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي قَدْ أَوَّلْتُهَا. قَالُوا: وَمَا أَوَّلْتَهَا؟ قَالَ: أَمَّا حَلْقُ رَأْسِي، فَوَضْعُهُ، وَأَمَّا الطَّائِرُ الَّذِي خَرَجَ مِنْ فَمِي فَرُوحِي، وَأَمَّا الْمَرْأَةُ الَّتِي أَدْخَلَتْنِي فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute