صَارَ مَأْيُوسًا مِنْ بُرْئِهِ لَمْ يَنْفَعْ فِيهِ هَذَا الْعِلَاجُ.
فَالْحُمَّى تَنْفَعُ الْبَدَنَ وَالْقَلْبَ، وَمَا كَانَ بِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَسَبُّهُ ظُلْمٌ وَعُدْوَانٌ، وَذَكَرْتُ مَرَّةً وَأَنَا مَحْمُومٌ قَوْلَ بَعْضِ الشُّعَرَاءِ يَسُبُّهَا:
زَارَتْ مُكَفِّرَةُ الذُّنُوبِ وَوَدَّعَتْ ... تَبًّا لَهَا مِنْ زَائِرٍ وَمُوَدِّعِ
قَالَتْ وَقَدْ عَزَمَتْ عَلَى تَرْحَالِهَا ... مَاذَا تُرِيدُ فَقُلْتُ أَنْ لَا تَرْجِعِي
فَقُلْتُ: تَبًّا لَهُ إذْ سَبَّ مَا نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَبِّهِ، وَلَوْ قَالَ:
زَارَتْ مُكَفِّرَةُ الذُّنُوبِ لِصَبِّهَا ... أَهْلًا بِهَا مِنْ زَائِرٍ وَمُوَدِّعِ
قَالَتْ وَقَدْ عَزَمَتْ عَلَى تَرْحَالِهَا ... مَاذَا تُرِيدُ فَقُلْتُ: أَنْ لَا تُقْلِعِي
لَكَانَ أَوْلَى بِهِ، وَلَأَقْلَعَتْ عَنْهُ، فَأَقْلَعَتْ عَنِّي سَرِيعًا. وَقَدْ رُوِيَ فِي أَثَرٍ لَا أَعْرِفُ حَالَهُ ( «حُمَّى يَوْمٍ كَفَّارَةُ سَنَةٍ» ) ، وَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحُمَّى تَدْخُلُ فِي كُلِّ الْأَعْضَاءِ وَالْمَفَاصِلِ، وَعِدَّتُهَا ثَلَاثُمِائَةٍ وَسِتُّونَ مَفْصِلًا فَتُكَفِّرُ عَنْهُ - بِعَدَدِ كُلِّ مَفْصِلٍ - ذُنُوبَ يَوْمٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِي الْبَدَنِ تَأْثِيرًا لَا يَزُولُ بِالْكُلِّيَّةِ إِلَى سَنَةٍ، كَمَا قِيلَ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلَاةٌ أَرْبَعِينَ يَوْمًا» ) : إِنَّ أَثَرَ الْخَمْرِ يَبْقَى فِي جَوْفِ الْعَبْدِ وَعُرُوقِهِ وَأَعْضَائِهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: ( «مَا مِنْ مَرَضٍ يُصِيبُنِي أَحَبَّ إلَيَّ مِنَ الْحُمَّى؛ لِأَنَّهَا تَدْخُلُ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute