للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي " سُنَنِ ابْنِ مَاجَهْ " عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ عبد الله بن أم حرام، وَكَانَ قَدْ صَلَّى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْقِبْلَتَيْنِ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( «عَلَيْكُمْ بِالسَّنَا وَالسَّنُوتِ، فَإِنَّ فِيهِمَا شِفَاءً مِنْ كُلِّ دَاءٍ إِلَّا السَّامَ " قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَا السَّامُ؟ قَالَ: الْمَوْتُ» ) .

قَوْلُهُ ( «بِمَاذَا كُنْتِ تَسْتَمْشِينَ» ) ؟ أَيْ تُلَيِّنِينَ الطَّبْعَ حَتَّى يَمْشِيَ وَلَا يَصِيرَ بِمَنْزِلَةِ الْوَاقِفِ، فَيُؤْذِيَ بِاحْتِبَاسِ النَّجْوِ، وَلِهَذَا سُمِّيَ الدَّوَاءُ الْمُسَهِّلُ مَشِيًّا عَلَى وَزْنِ فَعِيلٍ. وَقِيلَ: لِأَنَّ الْمَسْهُولَ يُكْثِرُ الْمَشْيَ وَالِاخْتِلَافَ لِلْحَاجَةِ، وَقَدْ رُوِيَ: ( «بِمَاذَا تَسْتَشْفِينَ؟ فَقَالَتْ بِالشُّبْرُمِ» ) وَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْأَدْوِيَةِ الْيَتُوعِيِّةِ، وَهُوَ قِشْرُ عِرْقِ شَجَرَةٍ، وَهُوَ حَارٌّ يَابِسٌ فِي الدَّرَجَةِ الرَّابِعَةِ، وَأَجْوَدُهُ الْمَائِلُ إِلَى الْحُمْرَةِ، الْخَفِيفُ الرَّقِيقُ الَّذِي يُشْبِهُ الْجِلْدَ الْمَلْفُوفَ، وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ مِنَ الْأَدْوِيَةِ الَّتِي أَوْصَى الْأَطِبَّاءُ بِتَرْكِ اسْتِعْمَالِهَا لِخَطَرِهَا وَفَرْطِ إِسْهَالِهَا.

وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " حَارٌّ جَارٌّ " وَيُرْوَى: (حَارٌّ يَارٌّ) ، قَالَ أبو عبيد: وَأَكْثَرُ كَلَامِهِمْ بِالْيَاءِ. قُلْتُ: وَفِيهِ قَوْلَانِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْحَارَّ الْجَارَّ بِالْجِيمِ: الشَّدِيدُ الْإِسْهَالِ، فَوَصَفَهُ بِالْحَرَارَةِ وَشَدِّةِ الْإِسْهَالِ وَكَذَلِكَ هُوَ، قَالَهُ أبو حنيفة الدِّينَوَرِيُّ.

وَالثَّانِي - وَهُوَ الصَّوَابُ - أَنَّ هَذَا مِنَ الْإِتْبَاعِ الَّذِي يُقْصَدُ بِهِ تَأْكِيدُ الْأَوَّلِ، وَيَكُونُ بَيْنَ التَّأْكِيدِ اللَّفْظِيِّ وَالْمَعْنَوِيِّ وَلِهَذَا يُرَاعُونَ فِيهِ إِتْبَاعَهُ فِي أَكْثَرِ حُرُوفِهِ، كَقَوْلِهِمْ: حَسَنٌ بَسَنٌ، أَيْ كَامِلُ الْحُسْنِ، وَقَوْلُهُمْ حَسَنٌ قَسَنٌ بِالْقَافِ، وَمِنْهُ شَيْطَانٌ لَيْطَانُ، وَحَارٌّ جَارٌّ مَعَ أَنَّ فِي الْجَارٌّ مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ

<<  <  ج: ص:  >  >>