الْجَذْبُ إِلَى الْمَعِدَةِ، فَيُحِسَّ الْإِنْسَانُ بِالْجَوْعِ، فَيَطْلُبُ الْغِذَاءَ، وَإِذَا وُجِدَ الْمَرَضُ اشْتَغَلَتِ الطَّبِيعَةُ بِمَادَّتِهِ وَإِنْضَاجِهَا وَإِخْرَاجِهَا عَنْ طَلَبِ الْغِذَاءِ أَوِ الشَّرَابِ، فَإِذَا أُكْرِهَ الْمَرِيضُ عَلَى اسْتِعْمَالِ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ، تَعَطَّلَتْ بِهِ الطَّبِيعَةُ عَنْ فِعْلِهَا، وَاشْتَغَلَتْ بِهَضْمِهِ وَتَدْبِيرِهِ عَنْ إِنْضَاجِ مَادَّةِ الْمَرَضِ وَدَفْعِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا لِضَرَرِ الْمَرِيضِ، وَلَا سِيَّمَا فِي أَوْقَاتِ الْبُحْرَانِ، أَوْ ضَعْفِ الْحَارِّ الْغَرِيزِيِّ أَوْ خُمُودِهِ، فَيَكُونُ ذَلِكَ زِيَادَةً فِي الْبَلِيَّةِ، وَتَعْجِيلِ النَّازِلَةِ الْمُتَوَقَّعَةِ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي هَذَا الْوَقْتِ وَالْحَالِ إِلَّا مَا يَحْفَظُ عَلَيْهِ قُوَّتَهُ وَيُقَوِّيهَا مِنْ غَيْرِ اسْتِعْمَالٍ مُزْعِجٍ لِلطَّبِيعَةِ الْبَتَّةَ، وَذَلِكَ يَكُونُ بِمَا لَطُفَ قِوَامُهُ مِنَ الْأَشْرِبَةِ وَالْأَغْذِيَةِ، وَاعْتَدَلَ مِزَاجُهُ كَشَرَابِ اللَّيْنُوفَرِ، وَالتِّفَّاحِ وَالْوَرْدِ الطَّرِيِّ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَمِنَ الْأَغْذِيَةِ مَرَقُ الْفَرَارِيجِ الْمُعْتَدِلَةِ الطَّيِّبَةِ فَقَطْ، وَإِنْعَاشُ قُوَاهُ بِالْأَرَايِيحِ الْعَطِرَةِ الْمُوَافِقَةِ، وَالْأَخْبَارِ السَّارَّةِ، فَإِنَّ الطَّبِيبَ خَادِمُ الطَّبِيعَةِ وَمُعِينُهَا لَا مُعِيقُهَا.
وَاعْلَمْ أَنَّ الدَّمَ الْجَيِّدَ هُوَ الْمُغَذِّي لِلْبَدَنِ، وَأَنَّ الْبَلْغَمَ دَمٌ فَجٌّ قَدْ نَضِجَ بَعْضَ النُّضْجِ، فَإِذَا كَانَ بَعْضُ الْمَرْضَى فِي بَدَنِهِ بَلْغَمٌ كَثِيرٌ، وَعَدِمَ الْغِذَاءَ، عَطَفَتِ الطَّبِيعَةُ عَلَيْهِ وَطَبَخَتْهُ وَأَنْضَجَتْهُ وَصَيَّرَتْهُ دَمًا وَغَذَّتْ بِهِ الْأَعْضَاءَ، وَاكْتَفَتْ بِهِ عَمَّا سِوَاهُ، وَالطَّبِيعَةُ هِيَ الْقُوَّةُ الَّتِي وَكَلَهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِتَدْبِيرِ الْبَدَنِ وَحِفْظِهِ وَصِحَّتِهِ وَحِرَاسَتِهِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ.
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ فِي النَّدْرَةِ إِلَى إِجْبَارِ الْمَرِيضِ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَذَلِكَ فِي الْأَمْرَاضِ الَّتِي يَكُونُ مَعَهَا اخْتِلَاطُ الْعَقْلِ، وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ الْحَدِيثُ مِنَ الْعَامِّ الْمَخْصُوصِ أَوْ مِنَ الْمُطْلَقِ الَّذِي قَدْ دَلَّ عَلَى تَقْيِيدِهِ دَلِيلٌ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ الْمَرِيضَ قَدْ يَعِيشُ بِلَا غِذَاءٍ أَيَّامًا لَا يَعِيشُ الصَّحِيحُ فِي مِثْلِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute