عُضْوٍ، وَأَمْكَنَ اسْتِفْرَاغُ الْمَادَّةِ الرَّدِيئَةِ مِنْ ذَلِكَ الْعُضْوِ، نَفَعَ جِدًّا.
وَقَدْ ذَكَرَ أبو عبيد فِي كِتَابِ " غَرِيبِ الْحَدِيثِ " لَهُ بِإِسْنَادِهِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، ( «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ احْتَجَمَ عَلَى رَأْسِهِ بِقَرْنٍ حِينَ طُبَّ» ) . قَالَ أبو عبيد: مَعْنَى طُبَّ: أَيْ سُحِرَ.
وَقَدْ أَشْكَلَ هَذَا عَلَى مَنْ قَلَّ عِلْمُهُ، وَقَالَ مَا لِلْحِجَامَةِ وَالسِّحْرِ، وَمَا الرَّابِطَةُ بَيْنَ هَذَا الدَّاءِ وَهَذَا الدَّوَاءِ، وَلَوْ وَجَدَ هَذَا الْقَائِلُ أبقراط أَوِ ابْنَ سِينَا أَوْ غَيْرَهُمَا قَدْ نَصَّ عَلَى هَذَا الْعِلَاجِ، لَتَلَقَّاهُ بِالْقَبُولِ وَالتَّسْلِيمِ، وَقَالَ: قَدْ نَصَّ عَلَيْهِ مَنْ لَا يُشَكَّ فِي مَعْرِفَتِهِ وَفَضْلِهِ.
فَاعْلَمْ أَنَّ مَادَّةَ السِّحْرِ الَّذِي أُصِيبَ بِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انْتَهَتْ إِلَى رَأْسِهِ إِلَى إِحْدَى قُوَاهُ الَّتِي فِيهِ بِحَيْثُ كَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ يَفْعَلُ الشَّيْءَ وَلَمْ يَفْعَلْهُ، وَهَذَا تَصَرُّفٌ مِنَ السَّاحِرِ فِي الطَّبِيعَةِ وَالْمَادَّةِ الدَّمَوِيَّةِ بِحَيْثُ غَلَبَتْ تِلْكَ الْمَادَّةُ عَلَى الْبَطْنِ الْمُقَدَّمِ مِنْهُ، فَغَيَّرَتْ مِزَاجَهُ عَنْ طَبِيعَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ.
وَالسِّحْرُ: هُوَ مُرَكَّبٌ مِنْ تَأْثِيرَاتِ الْأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ، وَانْفِعَالِ الْقُوَى الطَّبِيعِيَّةِ عَنْهَا، وَهُوَ أَشَدُّ مَا يَكُونُ مِنَ السِّحْرِ، وَلَا سِيَّمَا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي انْتَهَى السِّحْرُ إِلَيْهِ، وَاسْتِعْمَالُ الْحِجَامَةِ عَلَى ذَلِكَ الْمَكَانِ الَّذِي تَضَرَّرَتْ أَفْعَالُهُ بِالسِّحْرِ مِنْ أَنْفَعِ الْمُعَالَجَةِ إِذَا اسْتُعْمِلَتْ عَلَى الْقَانُونِ الَّذِي يَنْبَغِي.
قَالَ أبقراط: الْأَشْيَاءُ الَّتِي يَنْبَغِي أَنْ تُسْتَفْرَغَ يَجِبُ أَنْ تُسْتَفْرَغَ مِنَ الْمَوَاضِعِ الَّتِي هِيَ إِلَيْهَا أَمْيَلُ بِالْأَشْيَاءِ الَّتِي تَصْلُحُ لِاسْتِفْرَاغِهَا.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أُصِيبَ بِهَذَا الدَّاءِ، وَكَانَ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهُ فَعَلَ الشَّيْءَ وَلَمْ يَفْعَلْهُ، ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ عَنْ مَادَّةٍ دَمَوِيَّةٍ أَوْ غَيْرِهَا مَالَتْ إِلَى جِهَةِ الدِّمَاغِ، وَغَلَبَتْ عَلَى الْبَطْنِ الْمُقَدَّمِ مِنْهُ، فَأَزَالَتْ مِزَاجَهُ عَنِ الْحَالَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute