للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَانَ مِنْهَا مِنَ الْأَوْدِيَةِ وَالْأَنْهَارِ وَالثِّمَارِ، فَدَاخِلٌ فِي اللَّفْظِ عَلَى طَرِيقِ التَّغْلِيبِ وَالِاكْتِفَاءِ عَنِ الْفِعْلَيْنِ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ يَتَضَمَّنُهُمَا، وَهُوَ مَعْرُوفٌ مِنْ لُغَةِ الْعَرَبِ، بَلْ وَغَيْرِهَا مِنَ الْأُمَمِ، كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:

عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا ... حَتَى غَدَتْ هَمَّالَةً عَيْنَاهَا

وَقَوْلِ الْآخَرِ:

وَرَأَيْتُ زَوْجَكِ قَدْ غَدَا ... مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا

وَقَوْلِ الْآخَرِ:

إِذَا مَا الْغَانِيَاتُ بَرَزْنَ يَوْمًا ... وَزَجَّجْنَ الْحَوَاجِبَ وَالْعُيُونَا

وَهَذَا أَحْسَنُ مِمَّا قَبْلَهُ مِنَ الْوُجُوهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

وَهَذَا مِنْ تَمَامِ حِكْمَةِ الرَّبِّ عَزَّ وَجَلَّ، وَتَمَامِ رُبُوبِيَّتِهِ، فَإِنَّهُ كَمَا ابْتَلَى عِبَادَهُ بِالْأَدْوَاءِ، أَعَانَهُمْ عَلَيْهَا بِمَا يَسَّرَهُ لَهُمْ مِنَ الْأَدْوِيَةِ، وَكَمَا ابْتَلَاهُمْ بِالذُّنُوبِ أَعَانَهُمْ عَلَيْهَا بِالتَّوْبَةِ وَالْحَسَنَاتِ الْمَاحِيَةِ وَالْمَصَائِبِ الْمُكَفِّرَةِ، وَكَمَا ابْتَلَاهُمْ بِالْأَرْوَاحِ الْخَبِيثَةِ مِنَ الشَّيَاطِينِ، أَعَانَهُمْ عَلَيْهَا بِجُنْدٍ مِنَ الْأَرْوَاحِ الطَّيِّبَةِ وَهُمُ الْمَلَائِكَةُ. وَكَمَا ابْتَلَاهُمْ بِالشَّهَوَاتِ أَعَانَهُمْ عَلَى قَضَائِهَا بِمَا يَسَّرَهُ لَهُمْ شَرْعًا وَقَدَرًا مِنَ الْمُشْتَهَيَاتِ اللَّذِيذَةِ النَّافِعَةِ، فَمَا ابْتَلَاهُمْ سُبْحَانَهُ بِشَيْءٍ إِلَّا أَعْطَاهُمْ مَا يَسْتَعِينُونَ بِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>