للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَيْفَ يَكُونُ الْعِشْقُ الَّذِي هُوَ شِرْكٌ فِي الْمَحَبَّةِ، وَفَرَاغُ الْقَلْبِ عَنِ اللَّهِ، وَتَمْلِيكُ الْقَلْبِ وَالرُّوحِ، وَالْحُبُّ لِغَيْرِهِ تُنَالُ بِهِ دَرَجَةُ الشَّهَادَةِ، هَذَا مِنَ الْمُحَالِ، فَإِنَّ إِفْسَادَ عِشْقِ الصُّوَرِ لِلْقَلْبِ فَوْقَ كُلِّ إِفْسَادٍ، بَلْ هُوَ خَمْرُ الرُّوحِ الَّذِي يُسْكِرُهَا، وَيَصُدُّهَا عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَحُبِّهِ، وَالتَّلَذُّذِ بِمُنَاجَاتِهِ، وَالْأُنْسِ بِهِ، وَيُوجِبُ عُبُودِيَّةَ الْقَلْبِ لِغَيْرِهِ، فَإِنَّ قَلْبَ الْعَاشِقِ مُتَعَبِّدٌ لِمَعْشُوقِهِ، بَلِ الْعِشْقُ لُبُّ الْعُبُودِيَّةِ، فَإِنَّهَا كَمَالُ الذُّلِّ وَالْحُبِّ وَالْخُضُوعِ وَالتَّعْظِيمِ، فَكَيْفَ يَكُونُ تَعَبُّدُ الْقَلْبِ لِغَيْرِ اللَّهِ مِمَّا تُنَالُ بِهِ دَرَجَةُ أَفَاضِلِ الْمُوَحِّدِينَ وَسَادَاتِهِمْ، وَخَوَاصِّ الْأَوْلِيَاءِ، فَلَوْ كَانَ إِسْنَادُ هَذَا الْحَدِيثِ كَالشَّمْسِ، كَانَ غَلَطًا وَوَهْمًا، وَلَا يُحْفَظُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَفْظُ الْعِشْقِ فِي حَدِيثٍ صَحِيحٍ الْبَتَّةَ.

ثُمَّ إِنَّ الْعِشْقَ مِنْهُ حَلَالٌ، وَمِنْهُ حَرَامٌ، فَكَيْفَ يُظَنُّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ يَحْكُمُ عَلَى كُلِّ عَاشِقٍ يَكْتُمُ وَيَعِفُّ بِأَنَّهُ شَهِيدٌ، فَتَرَى مَنْ يَعْشَقُ امْرَأَةَ غَيْرِهِ، أَوْ يَعْشَقُ الْمُرْدَانَ وَالْبَغَايَا، يَنَالُ بِعِشْقِهِ دَرَجَةَ الشُّهَدَاءِ، وَهَلْ هَذَا إِلَّا خِلَافُ الْمَعْلُومِ مِنْ دِينِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالضَّرُورَةِ؟ كَيْفَ وَالْعِشْقُ مَرَضٌ مِنَ الْأَمْرَاضِ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ لَهَا الْأَدْوِيَةَ شَرْعًا وَقَدَرًا، وَالتَّدَاوِي مِنْهُ إِمَّا وَاجِبٌ إِنْ كَانَ عِشْقًا حَرَامًا، وَإِمَّا مُسْتَحَبٌّ.

وَأَنْتَ إِذَا تَأَمَّلْتَ الْأَمْرَاضَ وَالْآفَاتِ الَّتِي حَكَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَصْحَابِهَا بِالشَّهَادَةِ، وَجَدْتَهَا مِنَ الْأَمْرَاضِ الَّتِي لَا عِلَاجَ لَهَا، كَالْمَطْعُونِ وَالْمَبْطُونِ، وَالْمَجْنُوبِ وَالْغَرِيقِ، وَمَوْتِ الْمَرْأَةِ يَقْتُلُهَا وَلَدُهَا فِي بَطْنِهَا، فَإِنَّ هَذِهِ

<<  <  ج: ص:  >  >>