فَقَدْ أَوْجَدْنَاكَ أُصُولَ الطِّبِّ الثَّلَاثَةِ فِي الْقُرْآنِ، وَكَيْفَ تُنْكِرُ أَنْ تَكُونَ شَرِيعَةُ الْمَبْعُوثِ بِصَلَاحِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مُشْتَمِلَةً عَلَى صَلَاحِ الْأَبْدَانِ، كَاشْتِمَالِهَا عَلَى صَلَاحِ الْقُلُوبِ، وَأَنَّهَا مُرْشِدَةٌ إِلَى حِفْظِ صِحَّتِهَا، وَدَفْعِ آفَاتِهَا بِطُرُقٍ كُلِّيَّةٍ قَدْ وُكِلَ تَفْصِيلُهَا إِلَى الْعَقْلِ الصَّحِيحِ، وَالْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ بِطَرِيقِ الْقِيَاسِ وَالتَّنْبِيهِ وَالْإِيمَاءِ، كَمَا هُوَ فِي كَثِيرٍ مِنْ مَسَائِلِ فُرُوعِ الْفِقْهِ، وَلَا تَكُنْ مِمَّنْ إِذَا جَهِلَ شَيْئًا عَادَاهُ.
وَلَوْ رُزِقَ الْعَبْدُ تَضَلُّعًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ، وَفَهْمًا تَامًّا فِي النُّصُوصِ وَلَوَازِمِهَا لَاسْتَغْنَى بِذَلِكَ عَنْ كُلِّ كَلَامٍ سِوَاهُ، وَلَاسْتَنْبَطَ جَمِيعَ الْعُلُومِ الصَّحِيحَةِ مِنْهُ.
فَمَدَارُ الْعُلُومِ كُلِّهَا عَلَى مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَأَمْرِهِ وَخَلْقِهِ، وَذَلِكَ مُسَلَّمٌ إِلَى الرُّسُلِ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَسَلَامُهُ، فَهُمْ أَعْلَمُ الْخَلْقِ بِاللَّهِ وَأَمْرِهِ وَخَلْقِهِ وَحِكْمَتِهِ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ.
وَطِبُّ أَتْبَاعِهِمْ: أَصَحُّ وَأَنْفَعُ مِنْ طِبِّ غَيْرِهِمْ. وَطِبُّ أَتْبَاعِ خَاتَمِهِمْ وَسَيِّدِهِمْ وَإِمَامِهِمْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ: أَكْمَلُ الطِّبِّ وَأَصَحُّهُ وَأَنْفَعُهُ، وَلَا يَعْرِفُ هَذَا إِلَّا مَنْ عَرَفَ طِبَّ النَّاسِ سِوَاهُمْ وَطِبَّهُمْ، ثُمَّ وَازَنَ بَيْنَهُمَا فَحِينَئِذٍ يَظْهَرُ لَهُ التَّفَاوُتُ، وَهُمْ أَصَحُّ الْأُمَمِ عُقُولًا وَفِطَرًا، وَأَعْظَمُهُمْ عِلْمًا، وَأَقْرَبُهُمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَى الْحَقِّ لِأَنَّهُمْ خِيرَةُ اللَّهِ مِنَ الْأُمَمِ كَمَا أَنَّ رَسُولَهُمْ خِيرَتُهُ مِنَ الرُّسُلِ. وَالْعِلْمُ الَّذِي وَهَبَهُمْ إِيَّاهُ وَالْحِلْمُ وَالْحِكْمَةُ أَمْرٌ لَا يُدَانِيهِمْ فِيهِ غَيْرُهُمْ، وَقَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي " مُسْنَدِهِ ": مِنْ حَدِيثِ بَهْزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( «أَنْتُمْ تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ خَيْرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ» ) . فَظَهَرَ أَثَرُ كَرَامَتِهَا عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِي عُلُومِهِمْ وَعُقُولِهِمْ وَأَحْلَامِهِمْ وَفِطَرِهِمْ، وَهُمُ الَّذِينَ عُرِضَتْ عَلَيْهِمْ عُلُومُ الْأُمَمِ قَبْلَهُمْ وَعُقُولُهُمْ وَأَعْمَالُهُمْ وَدَرَجَاتُهُمْ، فَازْدَادُوا بِذَلِكَ عِلْمًا وَحِلْمًا وَعُقُولًا إِلَى مَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute