للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَزَوَّجَهَا مُحْرِمًا، وَقَالَ أبو رافع: تَزَوَّجَهَا حَلَالًا، وَكُنْتُ الرَّسُولَ بَيْنَهُمَا. وَقَوْلُ أبي رافع أَرْجَحُ لِعِدَّةِ أَوْجُهٍ.

أَحَدُهَا: أَنَّهُ إِذْ ذَاكَ كَانَ رَجُلًا بَالِغًا، وَابْنُ عَبَّاسٍ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ مِمَّنْ بَلَغَ الْحُلُمَ، بَلْ كَانَ لَهُ نَحْوُ الْعَشْرِ سِنِينَ، فأبو رافع إِذْ ذَاكَ كَانَ أَحْفَظَ مِنْهُ.

الثَّانِي: أَنَّهُ كَانَ الرَّسُولَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَهَا، وَعَلَى يَدِهِ دَارَ الْحَدِيثُ، فَهُوَ أَعْلَمُ بِهِ مِنْهُ بِلَا شَكٍّ، وَقَدْ أَشَارَ بِنَفْسِهِ إِلَى هَذَا إِشَارَةَ مُتَحَقِّقٍ لَهُ وَمُتَيَقِّنٍ، وَلَمْ يَنْقُلْهُ عَنْ غَيْرِهِ، بَلْ بَاشَرَهُ بِنَفْسِهِ.

الثَّالِثُ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ فِي تِلْكَ الْعُمْرَةِ، فَإِنَّهَا كَانَتْ عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ، وَكَانَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِذْ ذَاكَ مِنَ الْمُسْتَضْعَفِينَ الَّذِينَ عَذَرَهُمُ اللَّهُ مِنَ الْوِلْدَانِ، وَإِنَّمَا سَمِعَ الْقِصَّةَ مِنْ غَيْرِ حُضُورٍ مِنْهُ لَهَا.

الرَّابِعُ: أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ دَخَلَ مَكَّةَ بَدَأَ بِالطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، ثُمَّ سَعَى بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ، وَحَلَقَ ثُمَّ حَلَّ.

وَمِنَ الْمَعْلُومِ: أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ بِهَا فِي طَرِيقِهِ، وَلَا بَدَأَ بِالتَّزْوِيجِ بِهَا قَبْلَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ، وَلَا تَزَوَّجَ فِي حَالِ طَوَافِهِ، هَذَا مِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَمْ يَقَعْ، فَصَحَّ قَوْلُ أبي رافع يَقِينًا.

الْخَامِسُ: أَنَّ الصَّحَابَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ غَلَّطُوا ابْنَ عَبَّاسٍ، وَلَمْ يُغَلِّطُوا أبا رافع.

السَّادِسُ: أَنَّ قَوْلَ أبي رافع مُوَافِقٌ لِنَهْيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نِكَاحِ الْمُحْرِمِ، وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ يُخَالِفُهُ، وَهُوَ مُسْتَلْزِمٌ لِأَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا لِنَسْخِهِ، وَإِمَّا لِتَخْصِيصِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجَوَازِ النِّكَاحِ مُحْرِمًا، وَكِلَا الْأَمْرَيْنِ مُخَالِفٌ لِلْأَصْلِ لَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ فَلَا يُقْبَلُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>