أَيْ: فَهُنَّ لَكُمْ حَلَالٌ إِذَا انْقَضَتْ عِدَّتُهُنَّ.
فَتَضَمَّنَ هَذَا الْحُكْمُ إِبَاحَةَ وَطْءِ الْمَسْبِيَّةِ وَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ مِنَ الْكُفَّارِ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى انْفِسَاخِ نِكَاحِهِ وَزَوَالِ عِصْمَةِ بُضْعِ امْرَأَتِهِ، وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ، لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَوْلَى عَلَى مَحَلِّ حَقِّهِ وَعَلَى رَقَبَةِ زَوْجَتِهِ وَصَارَ سَابِيهَا أَحَقَّ بِهَا مِنْهُ، فَكَيْفَ يَحْرُمُ بُضْعُهَا عَلَيْهِ، فَهَذَا الْقَوْلُ لَا يُعَارِضُهُ نَصٌّ وَلَا قِيَاسٌ.
وَالَّذِينَ قَالُوا مِنْ أَصْحَابِ أحمد وَغَيْرِهِمْ إِنَّ وَطْأَهَا إِنَّمَا يُبَاحُ إِذَا سُبِيَتْ وَحْدَهَا. قَالُوا: لِأَنَّ الزَّوْجَ يَكُونُ بَقَاؤُهُ مَجْهُولًا، وَالْمَجْهُولُ كَالْمَعْدُومِ، فَيَجُوزُ وَطْؤُهَا بَعْدَ الِاسْتِبْرَاءِ، فَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ مَعَهَا لَمْ يَجُزْ وَطْؤُهَا مَعَ بَقَائِهِ، فَأَوْرَدَ عَلَيْهِمْ مَا لَوْ سُبِيَتْ وَحْدَهَا وَتَيَقُّنًّا بَقَاءَ زَوْجِهَا فِي دَارِ الْحَرْبِ فَإِنَّهُمْ يُجَوِّزُونَ وَطْأَهَا، فَأَجَابُوا بِمَا لَا يُجْدِي شَيْئًا، وَقَالُوا: الْأَصْلُ إِلْحَاقُ الْفَرْدِ بِالْأَعَمِّ الْأَغْلَبِ، فَيُقَالُ لَهُمْ: الْأَعَمُّ الْأَغْلَبُ بَقَاءُ أَزْوَاجِ الْمَسْبِيَّاتِ إِذَا سُبِينَ مُنْفَرِدَاتٍ، وَمَوْتُهُمْ كُلُّهُمْ نَادِرٌ جِدًّا، ثُمَّ يُقَالُ: إِذَا صَارَتْ رَقَبَةُ زَوْجِهَا وَأَمْلَاكُهُ مِلْكًا لِلسَّابِي وَزَالَتِ الْعِصْمَةُ عَنْ سَائِرِ أَمْلَاكِهِ وَعَنْ رَقَبَتِهِ، فَمَا الْمُوجِبُ لِثُبُوتِ الْعِصْمَةِ فِي فَرْجِ امْرَأَتِهِ خَاصَّةً، وَقَدْ صَارَتْ هِيَ وَهُوَ وَأَمْلَاكُهُمَا لِلسَّابِي؟ .
وَدَلَّ هَذَا الْقَضَاءُ النَّبَوِيُّ عَلَى جَوَازِ وَطْءِ الْإِمَاءِ الْوَثَنِيَّاتِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَإِنَّ سَبَايَا أَوْطَاسٍ لَمْ يَكُنَّ كِتَابِيَّاتٍ، وَلَمْ يَشْتَرِطْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي وَطْئِهِنَّ إِسْلَامَهُنَّ، وَلَمْ يَجْعَلِ الْمَانِعَ مِنْهُ إِلَّا الِاسْتِبْرَاءَ فَقَطْ، وَتَأْخِيرُ الْبَيَانِ عَنْ وَقْتِ الْحَاجَةِ مُمْتَنِعٌ مَعَ أَنَّهُمْ حَدِيثُو عَهْدٍ بِالْإِسْلَامِ حَتَّى خَفِيَ عَلَيْهِمْ حُكْمُ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَحُصُولُ الْإِسْلَامِ مِنْ جَمِيعِ السَّبَايَا وَكَانُوا عِدَّةَ آلَافٍ بِحَيْثُ لَمْ يَتَخَلَّفْ مِنْهُمْ عَنِ الْإِسْلَامِ جَارِيَةٌ وَاحِدَةٌ مِمَّا يُعْلَمُ أَنَّهُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ، فَإِنَّهُنَّ لَمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute