وَفِي النَّسَائِيِّ ( «أَنَّ أبا طلحة خَطَبَ أم سليم، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ يَا أبا طلحة مَا مِثْلُكَ يُرَدُّ وَلَكِنَّكَ رَجُلٌ كَافِرٌ وَأَنَا امْرَأَةٌ مُسْلِمَةٌ، وَلَا يَحِلُّ لِي أَنْ أَتَزَوَّجَكَ، فَإِنْ تُسْلِمْ فَذَاكَ مَهْرِي وَمَا أَسَالُكَ غَيْرَهُ. فَأَسْلَمَ فَكَانَ ذَلِكَ مَهْرَهَا. قَالَ ثابت فَمَا سَمِعْنَا بِامْرَأَةٍ قَطُّ كَانَتْ أَكْرَمَ مَهْرًا مِنْ أم سليم فَدَخَلَ بِهَا فَوَلَدَتْ لَهُ» ) .
فَتَضَمَّنَ هَذَا الْحَدِيثُ أَنَّ الصَّدَاقَ لَا يَتَقَدَّرُ أَقَلُّهُ، وَأَنَّ قَبْضَةَ السَّوِيقِ وَخَاتَمَ الْحَدِيدِ وَالنَّعْلَيْنِ يَصِحُّ تَسْمِيَتُهَا مَهْرًا وَتَحِلُّ بِهَا الزَّوْجَةُ.
وَتَضَمَّنَ أَنَّ الْمُغَالَاةَ فِي الْمَهْرِ مَكْرُوهَةٌ فِي النِّكَاحِ وَأَنَّهَا مِنْ قِلَّةِ بَرَكَتِهِ وَعُسْرِهِ.
وَتَضَمَّنَ أَنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا رَضِيَتْ بِعِلْمِ الزَّوْجِ وَحِفْظِهِ لِلْقُرْآنِ أَوْ بَعْضِهِ مِنْ مَهْرِهَا جَازَ ذَلِكَ، وَكَانَ مَا يَحْصُلُ لَهَا مِنِ انْتِفَاعِهَا بِالْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ هُوَ صَدَاقُهَا، كَمَا إِذَا جَعَلَ السَّيِّدُ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا، وَكَانَ انْتِفَاعُهَا بِحُرِّيَّتِهَا وَمِلْكِهَا لِرَقَبَتِهَا هُوَ صَدَاقُهَا، وَهَذَا هُوَ الَّذِي اخْتَارَتْهُ أم سليم مِنِ انْتِفَاعِهَا بِإِسْلَامِ أبي طلحة، وَبَذْلِهَا نَفْسَهَا لَهُ إِنْ أَسْلَمَ، وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيْهَا مِنَ الْمَالِ الَّذِي يَبْذُلُهُ الزَّوْجُ.
فَإِنَّ الصَّدَاقَ شُرِعَ فِي الْأَصْلِ حَقًّا لِلْمَرْأَةِ تَنْتَفِعُ بِهِ، فَإِذَا رَضِيَتْ بِالْعِلْمِ وَالدِّينِ وَإِسْلَامِ الزَّوْجِ وَقِرَاءَتِهِ لِلْقُرْآنِ كَانَ هَذَا مِنْ أَفْضَلِ الْمُهُورِ وَأَنْفَعِهَا وَأَجَلِّهَا، فَمَا خَلَا الْعَقْدُ عَنْ مَهْرٍ وَأَيْنَ الْحُكْمُ بِتَقْدِيرِ الْمَهْرِ بِثَلَاثَةِ دَرَاهِمَ أَوْ عَشَرَةٍ مِنَ النَّصِّ؟ .
وَالْقِيَاسُ إِلَى الْحُكْمِ بِصِحَّةِ كَوْنِ الْمَهْرِ مَا ذَكَرْنَا نَصًّا وَقِيَاسًا وَلَيْسَ هَذَا مُسْتَوِيًا بَيْنَ هَذِهِ الْمَرْأَةِ وَبَيْنَ الْمَوْهُوبَةِ الَّتِي وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ خَالِصَةٌ لَهُ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، فَإِنَّ تِلْكَ وَهَبَتْ نَفْسَهَا هِبَةً مُجَرَّدَةً عَنْ وَلِيٍّ وَصَدَاقٍ، بِخِلَافِ مَا نَحْنُ فِيهِ فَإِنَّهُ نِكَاحٌ بِوَلِيٍّ وَصَدَاقٍ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَالِيٍّ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ جَعَلَتْهُ عِوَضًا عَنِ الْمَالِ لِمَا يَرْجِعُ إِلَيْهَا مِنْ نَفْعِهِ، وَلَمْ تَهَبْ نَفْسَهَا لِلزَّوْجِ هِبَةً مُجَرَّدَةً كَهِبَةِ شَيْءٍ مِنْ مَالِهَا بِخِلَافِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute