عاصم العباداني فِي كِتَابِ طَبَقَاتِ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْقِيَاسُ أَوْ قَوْلُ ابْنِ حَزْمٍ وَمَنْ وَافَقَهُ.
وَأَمَّا الِاقْتِصَارُ عَلَى عَيْبَيْنِ أَوْ سِتَّةٍ أَوْ سَبْعَةٍ أَوْ ثَمَانِيَةٍ دُونَ مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهَا أَوْ مُسَاوٍ لَهَا، فَلَا وَجْهَ لَهُ فَالْعَمَى وَالْخَرَسُ وَالطَّرَشُ وَكَوْنُهَا مَقْطُوعَةَ الْيَدَيْنِ، أَوِ الرِّجْلَيْنِ أَوْ إِحْدَاهُمَا أَوْ كَوْنُ الرَّجُلِ كَذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الْمُنَفِّرَاتِ، وَالسُّكُوتُ عَنْهُ مِنْ أَقْبَحِ التَّدْلِيسِ وَالْغِشِّ، وَهُوَ مُنَافٍ لِلدِّينِ، وَالْإِطْلَاقُ إِنَّمَا يَنْصَرِفُ إِلَى السَّلَامَةِ فَهُوَ كَالْمَشْرُوطِ عُرْفًا، وَقَدْ قَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " لِمَنْ تَزَوَّجَ امْرَأَةً وَهُوَ لَا يُولَدُ لَهُ: أَخْبِرْهَا أَنَّكَ عَقِيمٌ وَخَيِّرْهَا " فَمَاذَا يَقُولُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْعُيُوبِ الَّتِي هَذَا عِنْدَهَا كَمَالٌ لَا نَقْصٌ؟! .
وَالْقِيَاسُ أَنَّ كُلَّ عَيْبٍ يُنَفِّرُ الزَّوْجَ الْآخَرَ مِنْهُ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ مَقْصُودُ النِّكَاحِ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالْمَوَدَّةِ يُوجِبُ الْخِيَارَ وَهُوَ أَوْلَى مِنَ الْبَيْعِ، كَمَا أَنَّ الشُّرُوطَ الْمُشْتَرَطَةَ فِي النِّكَاحِ أَوْلَى بِالْوَفَاءِ مِنْ شُرُوطِ الْبَيْعِ، وَمَا أَلْزَمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مَغْرُورًا قَطُّ وَلَا مَغْبُونًا بِمَا غُرَّ بِهِ وَغُبِنَ بِهِ، وَمَنْ تَدَبَّرَ مَقَاصِدَ الشَّرْعِ فِي مَصَادِرِهِ وَمَوَارِدِهِ وَعَدْلِهِ وَحِكْمَتِهِ وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ الْمَصَالِحِ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ رُجْحَانُ هَذَا الْقَوْلِ وَقُرْبُهُ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ.
وَقَدْ رَوَى يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ عَنِ ابْنِ الْمُسَيَّبِ قَالَ قَالَ عمر: (أَيُّمَا امْرَأَةٍ زُوِّجَتْ وَبِهَا جُنُونٌ أَوْ جُذَامٌ أَوْ بَرَصٌ فَدَخَلَ بِهَا ثُمَّ اطَّلَعَ عَلَى ذَلِكَ فَلَهَا مَهْرُهَا بِمَسِيسِهِ إِيَّاهَا وَعَلَى الْوَلِيِّ الصَّدَاقُ بِمَا دَلَّسَ كَمَا غَرَّهُ) .
وَرَدُّ هَذَا بِأَنَّ ابْنَ الْمُسَيَّبِ لَمْ يَسْمَعْ مِنْ عمر مِنْ بَابِ الْهَذَيَانِ الْبَارِدِ الْمُخَالِفِ لِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْحَدِيثِ قَاطِبَةً، قَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: إِذَا لَمْ يُقْبَلْ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ عَنْ عمر، فَمَنْ يُقْبَلْ. وَأَئِمَّةُ الْإِسْلَامِ وَجُمْهُورُهُمْ يَحْتَجُّونَ بِقَوْلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَكَيْفَ بِرِوَايَتِهِ عَنْ عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، وَكَانَ عبد الله بن عمر يُرْسِلُ إِلَى سعيد يَسْأَلُهُ عَنْ قَضَايَا عمر، فَيُفْتِي بِهَا، وَلَمْ يَطْعَنْ أَحَدٌ قَطُّ مِنْ أَهْلِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute