للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَصْلُهُ فِي " صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ ".

وَهَذَا كَانَ هَدْيَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَائِرِ صَلَاتِهِ؛ إِطَالَةُ أَوَّلِهَا عَلَى آخِرِهَا كَمَا فَعَلَ فِي الْكُسُوفِ، وَفِي قِيَامِ اللَّيْلِ لَمَّا صَلَّى رَكْعَتَيْنِ طَوِيلَتَيْنِ، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، ثُمَّ رَكْعَتَيْنِ وَهُمَا دُونَ اللَّتَيْنِ قَبْلَهُمَا، حَتَّى أَتَمَّ صَلَاتَهُ.

وَلَا يُنَاقِضُ هَذَا افْتِتَاحَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ اللَّيْلِ بِرَكْعَتَيْنِ خَفِيفَتَيْنِ وَأَمْرَهُ بِذَلِكَ، لِأَنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ مِفْتَاحُ قِيَامِ اللَّيْلِ، فَهُمَا بِمَنْزِلَةِ سُنَّةِ الْفَجْرِ وَغَيْرِهَا، وَكَذَلِكَ الرَّكْعَتَانِ اللَّتَانِ كَانَ يُصَلِّيهِمَا أَحْيَانًا بَعْدَ وِتْرِهِ تَارَةً جَالِسًا وَتَارَةً قَائِمًا مَعَ قَوْلِهِ: ( «اجْعَلُوا آخِرَ صَلَاتِكُمْ بِاللَّيْلِ وِتْرًا» ) فَإِنَّ هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ لَا تُنَافِيَانِ هَذَا الْأَمْرَ، كَمَا أَنَّ الْمَغْرِبَ وِتْرٌ لِلنَّهَارِ، وَصَلَاةُ السُّنَّةِ شَفْعًا بَعْدَهَا لَا يُخْرِجُهَا عَنْ كَوْنِهَا وِتْرًا لِلنَّهَارِ، وَكَذَلِكَ الْوِتْرُ لَمَّا كَانَ عِبَادَةً مُسْتَقِلَّةً وَهُوَ وِتْرُ اللَّيْلِ كَانَتِ الرَّكْعَتَانِ بَعْدَهُ جَارِيَتَيْنِ مَجْرَى سُنَّةِ الْمَغْرِبِ مِنَ الْمَغْرِبِ، وَلَمَّا كَانَ الْمَغْرِبُ فَرْضًا كَانَتْ مُحَافَظَتُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى سُنَّتِهَا أَكْثَرَ مِنْ مُحَافَظَتِهِ عَلَى سُنَّةِ الْوِتْرِ، وَهَذَا عَلَى أَصْلِ مَنْ يَقُولُ بِوُجُوبِ الْوِتْرِ ظَاهِرٌ جِدًّا، وَسَيَأْتِي مَزِيدُ كَلَامٍ فِي هَاتَيْنِ الرَّكْعَتَيْنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَهِيَ مَسْأَلَةٌ شَرِيفَةٌ لَعَلَّكَ لَا تَرَاهَا فِي مُصَنَّفٍ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>