للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: ٢٢٨] الْآيَةَ. .. وَذَلِكَ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ فَهُوَ أَحَقُّ بِرَجْعَتِهَا، وَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، فَنُسِخَ ذَلِكَ، فَقَالَ: {الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: ٢٢٩] )

قَالُوا: فَيَحْتَمِلُ أَنَّ الثَّلَاثَ كَانَتْ تُجْعَلُ وَاحِدَةً مِنْ هَذَا الْوَقْتِ، بِمَعْنَى أَنَّ الزَّوْجَ كَانَ يَتَمَكَّنُ مِنَ الْمُرَاجَعَةِ بَعْدَهَا، كَمَا يَتَمَكَّنُ مِنَ الْمُرَاجَعَةِ بَعْدَ الْوَاحِدَةِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ.

وَقَالَ ابن سريج: يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إِنَّمَا جَاءَ فِي نَوْعٍ خَاصٍّ مِنَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، وَهُوَ أَنْ يُفَرِّقَ بَيْنَ الْأَلْفَاظِ، كَأَنْ يَقُولَ: أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، أَنْتِ طَالِقٌ، وَكَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعَهْدِ أبي بكر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - النَّاسُ عَلَى صِدْقِهِمْ وَسَلَامَتِهِمْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمُ الْخِبُّ وَالْخِدَاعُ، فَكَانُوا يُصَدَّقُونَ أَنَّهُمْ أَرَادُوا بِهِ التَّأْكِيدَ، وَلَا يُرِيدُونَ بِهِ الثَّلَاثَ، فَلَمَّا رَأَى عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فِي زَمَانِهِ أُمُورًا ظَهَرَتْ، وَأَحْوَالًا تَغَيَّرَتْ، مَنَعَ مِنْ حَمْلِ اللَّفْظِ عَلَى التَّكْرَارِ، وَأَلْزَمَهُمُ الثَّلَاثَ.

وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّ النَّاسَ كَانَتْ عَادَتُهُمْ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِيقَاعَ الْوَاحِدَةِ، ثُمَّ يَدَعُهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، ثُمَّ اعْتَادُوا الطَّلَاقَ الثَّلَاثَ جُمْلَةً، وَتَتَابَعُوا فِيهِ، وَمَعْنَى الْحَدِيثِ عَلَى هَذَا: كَانَ الطَّلَاقُ الَّذِي يُوقِعُهُ الْمُطَلِّقُ الْآنَ ثَلَاثًا يُوقِعُهُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأبي بكر وَاحِدَةً، فَهُوَ إِخْبَارٌ عَنِ الْوَاقِعِ، لَا عَنِ الْمَشْرُوعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>