للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَرَوَى عبد الرزاق أَيْضًا، عَنْ معمر عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إبراهيم، عَنْ علقمة قَالَ: (جَاءَ رَجُلٌ إِلَى ابْنِ مَسْعُودٍ، فَقَالَ: إِنِّي طَلَّقْتُ امْرَأَتِي تِسْعًا وَتِسْعِينَ، فَقَالَ لَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ: ثَلَاثٌ تُبِينُهَا مِنْكَ، وَسَائِرُهُنَّ عُدْوَانٌ) .

وَذَكَرَ أبو داود فِي " سُنَنِهِ "، (عَنْ محمد بن إياس، أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَأَبَا هُرَيْرَةَ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ، سُئِلُوا عَنِ الْبِكْرِ يُطَلِّقُهَا زَوْجُهَا ثَلَاثًا، فَكُلُّهُمْ قَالَ: لَا تَحِلُّ لَهُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ) .

قَالُوا: فَهَؤُلَاءِ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا تَسْمَعُونَ قَدْ أَوْقَعُوا الثَّلَاثَ جُمْلَةً، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ إِلَّا عمر الْمُحَدَّثُ الْمُلْهَمُ وَحْدَهُ، لَكَفَى، فَإِنَّهُ لَا يُظَنُّ بِهِ تَغْيِيرُ مَا شَرَعَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الطَّلَاقِ الرَّجْعِيِّ، فَيَجْعَلُهُ مُحَرَّمًا، وَذَلِكَ يَتَضَمَّنُ تَحْرِيمَ فَرْجِ الْمَرْأَةِ عَلَى مَنْ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ، وَإِبَاحَتَهُ لِمَنْ لَا تَحِلُّ لَهُ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ عمر، لَمَا أَقَرَّهُ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يُوَافِقُوهُ، وَلَوْ كَانَ عِنْدَ ابْنِ عَبَّاسٍ حُجَّةٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّ الثَّلَاثَ وَاحِدَةٌ لَمْ يُخَالِفْهَا. وَيُفْتِي بِغَيْرِهَا مُوَافَقَةً لعمر، وَقَدْ عُلِمَ مُخَالَفَتُهُ لَهُ فِي الْعَوْلِ، وَحَجْبِ الْأُمِّ بِالِاثْنَيْنِ مِنَ الْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ.

قَالُوا: وَنَحْنُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ تَبَعٌ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُمْ أَعْلَمُ بِسُنَّتِهِ وَشَرْعِهِ، وَلَوْ كَانَ مُسْتَقِرًّا مِنْ شَرِيعَتِهِ أَنَّ الثَّلَاثَ وَاحِدَةٌ وَتُوُفِّيَ وَالْأَمْرُ عَلَى ذَلِكَ لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِمْ، وَيَعْلَمُهُ مَنْ بَعْدَهُمْ، وَلَمْ يُحَرِّمُوا الصَّوَابَ فِيهِ، وَيُوَفَّقُ لَهُ مَنْ بَعْدَهُمْ، وَيَرْوِي حَبْرُ الْأُمَّةِ وَفَقِيهُهَا خَبَرَ كَوْنِ الثَّلَاثِ وَاحِدَةً وَيُخَالِفُهُ.

قَالَ الْمَانِعُونَ مِنْ وُقُوعِ الثَّلَاثِ: التَّحَاكُمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَغَيْرِهَا إِلَى مَنْ أَقْسَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَصْدَقَ قَسَمٍ وَأَبَرَّهُ، أَنَّا لَا نُؤْمِنُ حَتَّى نُحَكِّمَهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>