وَكَيْفَمَا كَانَ، فَهُوَ ضَعِيفٌ، وَلَوْ صَحَّ، لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ: لَوْ طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ: لَوْ سَلَّمْتُ ثَلَاثًا، أَوْ أَقْرَرْتُ ثَلَاثًا، أَوْ نَحْوَهُ مِمَّا لَا يُعْقَلُ جَمْعُهُ.
وَأَمَّا حَدِيثُ نافع بن عجير الَّذِي رَوَاهُ أبو داود، أَنَّ ركانة طَلَّقَ امْرَأَتَهُ الْبَتَّةَ، فَأَحْلَفَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَرَادَ إِلَّا وَاحِدَةً، فَمِنَ الْعَجَبِ تَقْدِيمُ نافع بن عجير الْمَجْهُولِ الَّذِي لَا يُعْرَفُ حَالُهُ الْبَتَّةَ، وَلَا يُدْرَى مَنْ هُوَ، وَلَا مَا هُوَ عَلَى ابْنِ جُرَيْجٍ، ومعمر، وعبد الله بن طاووس فِي قِصَّةِ أبي الصهباء، وَقَدْ شَهِدَ إِمَامُ أَهْلِ الْحَدِيثِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ بِأَنَّ فِيهِ اضْطِرَابًا، هَكَذَا قَالَ الترمذي فِي " الْجَامِعِ "، وَذَكَرَ عَنْهُ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: أَنَّهُ مُضْطَرِبٌ. فَتَارَةً يَقُولُ: طَلَّقَهَا ثَلَاثًا، وَتَارَةً يَقُولُ: وَاحِدَةً، وَتَارَةً يَقُولُ: الْبَتَّةَ. وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: وَطُرُقُهُ كُلُّهَا ضَعِيفَةٌ، وَضَعَّفَهُ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ، حَكَاهُ المنذري عَنْهُ.
ثُمَّ كَيْفَ يُقَدَّمُ هَذَا الْحَدِيثُ الْمُضْطَرِبُ الْمَجْهُولُ رِوَايَةً عَلَى حَدِيثِ عبد الرزاق عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ لِجَهَالَةِ بَعْضِ بَنِي أبي رافع، هَذَا وَأَوْلَادُهُ تَابِعِيُّونَ، وَإِنْ كَانَ عبيد الله أَشْهَرَهُمْ وَلَيْسَ فِيهِمْ مُتَّهَمٌ بِالْكَذِبِ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَمَنْ يَقْبَلُ رِوَايَةَ الْمَجْهُولِ، أَوْ يَقُولُ: رِوَايَةُ الْعَدْلِ عَنْهُ تَعْدِيلٌ لَهُ، فَهَذَا حُجَّةٌ عِنْدَهُ، فَأَمَّا أَنْ يُضَعِّفَهُ وَيُقَدِّمَ عَلَيْهِ رِوَايَةَ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ فِي الْجَهَالَةِ، أَوْ أَشَدُّ، فَكَلَّا، فَغَايَةُ الْأَمْرِ أَنْ تَتَسَاقَطَ رِوَايَتَا هَذَيْنِ الْمَجْهُولَيْنِ، وَيُعْدَلُ إِلَى غَيْرِهِمَا، وَإِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ، نَظَرْنَا فِي حَدِيثِ سعد بن إبراهيم، فَوَجَدْنَاهُ صَحِيحَ الْإِسْنَادِ، وَقَدْ زَالَتْ عِلَّةُ تَدْلِيسِ محمد بن إسحاق، بِقَوْلِهِ: حَدَّثَنِي دَاوُدُ بْنُ الْحُصَيْنِ، وَقَدِ احْتَجَّ أحمد بِإِسْنَادِهِ فِي مَوَاضِعَ، وَقَدْ صَحَّحَ هُوَ وَغَيْرُهُ بِهَذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute