بِرِوَايَةٍ، سَلِمَ الْحَدِيثُ عَلَى أَنَّهُ بِحَمْدِ اللَّهِ سَالِمٌ.
وَلَوِ اتَّفَقَتِ الرِّوَايَاتُ عَنْهُ عَلَى مُخَالَفَتِهِ، فَلَهُ أُسْوَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَيْسَ بِأَوَّلِ حَدِيثٍ خَالَفَهُ رَاوِيهِ، فَنَسْأَلُكُمْ: هَلِ الْأَخْذُ بِمَا رَوَاهُ الصَّحَابِيُّ عِنْدَكُمْ أَوْ بِمَا رَآهُ؟ فَإِنْ قُلْتُمْ: الْأَخْذُ بِرِوَايَتِهِ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِكُمْ بَلْ جُمْهُورُ الْأُمَّةِ عَلَى هَذَا، كَفَيْتُمُونَا مَئُونَةَ الْجَوَابِ. وَإِنْ قُلْتُمُ: الْأَخْذُ بِرَأْيِهِ أَرَيْنَاكُمْ مِنْ تُنَاقِضُكُمْ مَا لَا حِيلَةَ لَكُمْ فِي دَفْعِهِ، وَلَا سِيَّمَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ نَفْسِهِ، فَإِنَّهُ رَوَى حَدِيثَ بريرة وَتَخْيِيرِهَا، وَلَمْ يَكُنْ بَيْعُهَا طَلَاقًا، وَرَأَى خِلَافَهُ، وَأَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ طَلَاقُهَا، فَأَخَذْتُمْ - وَأَصَبْتُمْ - بِرِوَايَتِهِ، وَتَرَكْتُمْ رَأْيَهُ، فَهَلَّا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ، وَقُلْتُمْ: الرِّوَايَةُ مَعْصُومَةٌ، وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ غَيْرُ مَعْصُومٍ، وَمُخَالَفَتُهُ لِمَا رَوَاهُ يَحْتَمِلُ احْتِمَالَاتٍ عَدِيدَةً مِنْ نِسْيَانٍ أَوْ تَأْوِيلٍ، أَوِ اعْتِقَادٍ مُعَارِضٍ رَاجِحٍ فِي ظَنِّهِ، أَوِ اعْتِقَادِ أَنَّهُ مَنْسُوخٌ أَوْ مَخْصُوصٌ، أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الِاحْتِمَالَاتِ، فَكَيْفَ يَسُوغُ تَرْكُ رِوَايَتِهِ مَعَ قِيَامِ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ؟ وَهَلْ هَذَا إِلَّا تَرْكُ مَعْلُومٍ لِمَظْنُونٍ، بَلْ مَجْهُولٍ؟ قَالُوا: وَقَدْ رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - حَدِيثَ التَّسْبِيعِ مِنْ وُلُوغِ الْكَلْبِ، وَأَفْتَى بِخِلَافِهِ، فَأَخَذْتُمْ بِرِوَايَتِهِ، وَتَرَكْتُمْ فَتْوَاهُ. وَلَوْ تَتَبَّعْنَا مَا أَخَذْتُمْ فِيهِ بِرِوَايَةِ الصَّحَابِيِّ دُونَ فَتْوَاهُ، لَطَالَ.
قَالُوا: وَأَمَّا دَعْوَاكُمْ نَسْخَ الْحَدِيثِ، فَمَوْقُوفَةٌ عَلَى ثُبُوتِ مُعَارِضٍ مُقَاوِمٍ مُتَرَاخٍ، فَأَيْنَ هَذَا؟
وَأَمَّا حَدِيثُ عكرمة، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي نَسْخِ الْمُرَاجَعَةِ بَعْدَ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ، فَلَوْ صَحَّ، لَمْ يَكُنْ فِيهِ حُجَّةٌ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا فِيهِ أَنَّ الرَّجُلَ كَانَ يُطَلِّقُ امْرَأَتَهُ وَيُرَاجِعُهَا بِغَيْرِ عَدَدٍ، فَنُسِخَ ذَلِكَ وَقُصِرَ عَلَى ثَلَاثٍ، فِيهَا تَنْقَطِعُ الرَّجْعَةُ، فَأَيْنَ فِي ذَلِكَ الْإِلْزَامُ بِالثَّلَاثِ بِفَمٍ وَاحِدٍ، ثُمَّ كَيْفَ يَسْتَمِرُّ الْمَنْسُوخُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute