للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَفْسَهَا أَمْ لَا؟ قَالَ كَانَ يَقُولُ: لَيْسَ إِلَى النِّسَاءِ طَلَاقٌ، فَقُلْتُ لَهُ فَكَيْفَ كَانَ أَبُوكَ يَقُولُ فِي رَجُلٍ مَلَّكَ رَجُلًا أَمْرَ امْرَأَتِهِ أَيَمْلِكُ الرَّجُلُ أَنْ يُطَلِّقَهَا؟ قَالَ: لَا)

فَهَذَا صَرِيحٌ مِنْ مَذْهَبِ طَاوُوسٍ، أَنَّهُ لَا يُطَلِّقُ إِلَّا الزَّوْجُ، وَأَنَّ تَمْلِيكَ الزَّوْجَةِ أَمْرَهَا لَغْوٌ، وَكَذَلِكَ تَوْكِيلُهُ غَيْرَهُ فِي الطَّلَاقِ. قَالَ أبو محمد ابن حزم: وَهَذَا قَوْلُ أبي سليمان وَجَمِيعِ أَصْحَابِنَا.

الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ لِهَؤُلَاءِ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ إِنَّمَا جَعَلَ أَمْرَ الطَّلَاقِ إِلَى الزَّوْجِ دُونَ النِّسَاءِ؛ لِأَنَّهُنَّ نَاقِصَاتُ عَقْلٍ وَدِينٍ، وَالْغَالِبُ عَلَيْهِنَّ السَّفَهُ، وَتَذْهَبُ بِهِنَّ الشَّهْوَةُ وَالْمَيْلُ إِلَى الرِّجَالِ كُلَّ مَذْهَبٍ، فَلَوْ جُعِلَ أَمْرُ الطَّلَاقِ إِلَيْهِنَّ لَمْ يَسْتَقِمْ لِلرِّجَالِ مَعَهُنَّ أَمْرٌ، وَكَانَ فِي ذَلِكَ ضَرَرٌ عَظِيمٌ بِأَزْوَاجِهِنَّ، فَاقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ وَرَحْمَتُهُ أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ بِأَيْدِيهِنَّ شَيْئًا مِنْ أَمْرِ الْفِرَاقِ، وَجَعَلَهُ إِلَى الْأَزْوَاجِ.

فَلَوْ جَازَ لِلْأَزْوَاجِ نَقْلُ ذَلِكَ إِلَيْهِنَّ، لَنَاقَضَ حِكْمَةَ اللَّهِ وَرَحْمَتَهُ وَنَظَرَهُ لِلْأَزْوَاجِ. قَالُوا: وَالْحَدِيثُ إِنَّمَا دَلَّ عَلَى التَّخْيِيرِ فَقَطْ، فَإِنِ اخْتَرْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ، كَمَا وَقَعَ، كُنَّ أَزْوَاجَهُ بِحَالِهِنَّ، وَإِنِ اخْتَرْنَ أَنْفُسَهُنَّ، مَتَّعَهُنَّ وَطَلَّقَهُنَّ هُوَ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ السَّرَاحُ الْجَمِيلُ، لَا أَنَّ اخْتِيَارَهُنَّ لِأَنْفُسِهِنَّ يَكُونُ هُوَ نَفْسَ الطَّلَاقِ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الظُّهُورِ كَمَا تَرَى.

قَالَ هَؤُلَاءِ: وَالْآثَارُ عَنِ الصَّحَابَةِ فِي ذَلِكَ مُخْتَلِفَةٌ اخْتِلَافًا شَدِيدًا، فَصَحَّ عَنْ عمر وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، فِي رَجُلٍ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِهَا، فَطَلَّقَتْ نَفْسَهَا ثَلَاثًا، أَنَّهَا طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وَصَحَّ عَنْ (عثمان رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّ الْقَضَاءَ مَا قَضَتْ) وَرَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَغَيْرُهُ عَنِ ابن الزبير. وَصَحَّ عَنْ (علي، وزيد، وَجَمَاعَةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ، أَنَّهَا إِنِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا فَوَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، وَإِنِ اخْتَارَتْ زَوْجَهَا فَوَاحِدَةٌ رَجْعِيَّةٌ)

وَصَحَّ عَنْ بَعْضِ الصَّحَابَةِ أَنَّهَا إِنِ اخْتَارَتْ نَفْسَهَا، فَثَلَاثٌ بِكُلِّ حَالٍ، وَرُوِيَ عَنِ (ابْنِ مَسْعُودٍ فِيمَنْ جَعَلَ أَمْرَ امْرَأَتِهِ بِيَدِ آخَرَ فَطَلَّقَهَا، فَلَيْسَ بِشَيْءٍ)

<<  <  ج: ص:  >  >>