رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ قَوْلَ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ أَمْرُكِ بِيَدِكِ، أَوْ قَدْ مَلَّكْتُكِ أَمْرَكِ، أَوِ اخْتَارِي، يُوجِبُ أَنْ يَكُونَ طَلَاقًا، أَوْ أَنَّ لَهَا أَنْ تُطَلِّقَ نَفْسَهَا، أَوْ تَخْتَارَ طَلَاقًا، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَحْرُمَ عَلَى الرَّجُلِ فَرْجٌ أَبَاحَهُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ وَرَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَقْوَالٍ لَمْ يُوجِبْهَا اللَّهُ وَلَا رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهَذَا فِي غَايَةِ الْبَيَانِ. انْتَهَى كَلَامُهُ.
قَالُوا: وَاضْطِرَابُ أَقْوَالِ الْمُوقِعِينَ وَتَنَاقُضُهَا وَمُعَارَضَةُ بَعْضِهَا لِبَعْضٍ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ أَصْلِهَا، وَلَوْ كَانَ الْأَصْلُ صَحِيحًا لَاطَّرَدَتْ فُرُوعُهُ، وَلَمْ تَتَنَاقَضْ، وَلَمْ تَخْتَلِفْ، وَنَحْنُ نُشِيرُ إِلَى طَرَفٍ مِنِ اخْتِلَافِهِمْ.
فَاخْتَلَفُوا: هَلْ يَقَعُ الطَّلَاقُ بِمُجَرَّدِ التَّخْيِيرِ أَوْ لَا يَقَعُ حَتَّى تَخْتَارَ نَفْسَهَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: تَقَدَّمَ حِكَايَتُهُمَا ثُمَّ اخْتَلَفَ الَّذِينَ لَا يُوقِعُونَهُ بِمُجَرَّدِ قَوْلِهِ أَمْرُكِ بِيَدِكِ: هَلْ يَخْتَصُّ اخْتِيَارُهَا بِالْمَجْلِسِ، أَوْ يَكُونُ فِي يَدِهَا مَا لَمْ يَفْسَخْ أَوْ يَطَأْ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ يَتَقَيَّدُ بِالْمَجْلِسِ، وَهَذَا قَوْلُ أبي حنيفة، وَالشَّافِعِيِّ، ومالك، فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْهُ. الثَّانِي: أَنَّهُ فِي يَدِهَا أَبَدًا حَتَّى يَفْسَخَ أَوْ يَطَأَ، وَهَذَا قَوْلُ أحمد، وابن المنذر، وَأَبِي ثَوْرٍ. وَالرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْ مالك. ثُمَّ قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِهِ: وَذَلِكَ مَا لَمْ تَطُلْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ أَنَّهَا تَرَكَتْهُ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَتَعَدَّى شَهْرَيْنِ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا، هَلْ عَلَيْهَا يَمِينٌ، أَنَّهَا تَرَكَتْ أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا إِذَا رَجَعَ الزَّوْجُ فِيمَا جَعَلَ إِلَيْهَا، فَقَالَ أحمد، وإسحاق، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَالشَّعْبِيُّ، ومجاهد، وعطاء: لَهُ ذَلِكَ، وَيَبْطُلُ خِيَارُهَا. وَقَالَ مالك، وأبو حنيفة، وَالثَّوْرِيُّ، وَالزُّهْرِيُّ: لَيْسَ لَهُ الرُّجُوعُ، وَلِلشَّافِعِيَّةِ خِلَافٌ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ تَوْكِيلٌ، فَيَمْلِكُ الْمُوَكِّلُ الرُّجُوعَ أَوْ تَمْلِيكٌ، فَلَا يَمْلِكُهُ، قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ التَّمْلِيكِ: وَلَا يَمْتَنِعُ الرُّجُوعُ. وَإِنْ قُلْنَا إِنَّهُ تَمْلِيكٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتَّصِلْ بِهِ الْقَبُولُ، فَجَازَ الرُّجُوعُ فِيهِ كَالْهِبَةِ وَالْبَيْعِ.
وَاخْتَلَفُوا: فِيمَا يَلْزَمُ مِنِ اخْتِيَارِهَا نَفْسَهَا. فَقَالَ أحمد وَالشَّافِعِيُّ: وَاحِدَةٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute